تسبيحهم بحمده وتقديسهم له ، ويطهره مما سيظهر منه من الفساد في الأرض وسفك الدماء كما قال : « وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ » إلى آخر الآيات : البقرة : ٣٠ ٣٣ وقد فصلنا القول في ذلك في ذيل الآيات في الجزء الأول من الكتاب.
ثم ذكر سبحانه أمر الملائكة بالسجود لآدم ثم سجودهم له جميعا فقال : « فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ » الحجر : ٣٠ وقد أوضحنا في تفسير الآيات في القصة في سورة الأعراف أن السجدة إنما كان خضوعا منهم لمقام الكمال الإنساني ولم يكن آدم عليهالسلام إلا قبلة لهم ممثلا للإنسانية قبال الملائكة. فهذا ما يفيده ظاهر كلامه تعالى ، وفي الأخبار ما يؤيده ، وللبحث جهة عقلية يرجع فيها إلى مظانه.
قوله تعالى : « يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ » اليوم يوم القيامة والظرف متعلق بمقدر أي اذكر يوم كذا ، والإمام المقتدى وقد سمى الله سبحانه بهذا الاسم أفرادا من البشر يهدون الناس بأمر الله كما في قوله : « قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً » البقرة : ١٢٤ وقوله : « وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا » الأنبياء : ٧٣ وأفرادا آخرين يقتدى بهم في الضلال كما في قوله : « فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ » التوبة : ١٢ وسمى به أيضا التوراة كما في قوله : « وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً » هود : ١٧ ، وربما استفيد منه أن الكتب السماوية المشتملة على الشريعة ككتاب نوح وإبراهيم وعيسى ومحمد عليهالسلام جميعا أئمة.
وسمى به أيضا اللوح المحفوظ كما هو ظاهر قوله تعالى : « وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ » يس : ١٢ ولما كان ظاهر الآية أن لكل طائفة من الناس إماما غير ما لغيرها فإنه المستفاد من إضافة الإمام إلى الضمير الراجع إلى كل أناس لم يصلح أن يكون المراد بالإمام في الآية اللوح لكونه واحدا لا اختصاص له بأناس دون أناس.
وأيضا ظاهر الآية أن هذه الدعوة تعم الناس جميعا من الأولين والآخرين وقد