وللمفسرين في معنى صدر الآية وذيلها وجوه أخر أغمضنا عنها من أراد الوقوف عليها فليراجع مسفوراتهم.
ومما ذكروه فيها أن المراد بالشفاء في الآية أعم من شفاء الأمراض الروحية من الجهل والشبهة والريب والملكات النفسانية الرذيلة وشفاء الأمراض الجسمية بالتبرك بآياته الكريمة قراءة وكتابة هذا.
ولا بأس به لكن لو صح التعميم فليصح في الصدر والذيل جميعا فإنه كما يستعان به على دفع الأمراض والعاهات بقراءة أو كتابة كذلك يستعان به على دفع الأعداء ورفع ظلم الظالمين وإبطال كيد الكافرين فيزيد بذلك الظالمين خسارا كما يفيد المؤمنين شفاء هذا ، ونسبة زيادة خسارهم إلى القرآن مع أنها مستندة بالحقيقة إلى سوء اختيارهم وشقاء أنفسهم إنما هي بنوع من المجاز.
قوله تعالى : « وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً » قال في المفردات ، : العرض خلاف الطول وأصله أن يقال في الأجسام ثم يستعمل في غيرها ـ إلى أن قال ـ وأعرض أظهر عرضه أي ناحيته فإذا قيل : أعرض لي كذا أي بدا عرضه فأمكن تناوله ، وإذا قيل : أعرض عني فمعناه ولى مبديا عرضه. انتهى موضع الحاجة.
والنأي البعد ونأى بجانبه أي اتخذ لنفسه جهة بعيدة منا ، ومجموع قوله : « أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ » يمثل حال الإنسان في تباعده وانقطاعه من ربه عند ما ينعم عليه. كمن يحول وجهه عن صاحبه ويتخذ لنفسه موقفا بعيدا منه ، وربما ذكر بعض المفسرين أن قوله. « نَأى بِجانِبِهِ » كناية عن الاستكبار والاستعلاء.
وقوله : « وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً » أي وإذا أصابه الشر أصابة خفيفة كالمس كان آيسا منقطع الرجاء عن الخير وهو النعمة ، ولم ينسب الشر إليه تعالى كما نسب النعمة تنزيها له تعالى من أن يسند إليه الشر ، ولأن وجود الشر أمر نسبي لا نفسي فما يتحقق من الشر في العالم كالموت والمرض والفقر والنقص وغير ذلك إنما هو شر بالنسبة إلى مورده ، وأما بالنسبة إلى غيره وخاصة النظام العام الجاري في الكون فهو من الخير الذي لا مناص عنه في التدبير الكلي فما كان من الخير فهو مما تعلقت به بعينه