العناية الإلهية وهو مراد بالذات ، وما كان من الشر فهو مما تعلقت به العناية لغيره وهو مقضي بالعرض.
فالمعنى أنا إذا أنعمنا على الإنسان هذا الموجود الواقع في مجرى الأسباب اشتغل بظواهر الأسباب وأخلد إليها فنسينا فلم يذكرنا ولم يشكرنا ، وإذا ناله شيء يسير من الشر فسلب منه الخير وزالت عنه أسبابه ورأى ذلك كان شديد اليأس من الخير لكونه متعلقا بأسبابه وهو يرى بطلان أسبابه ولا يرى لربه في ذلك صنعا.
والآية تصف حال الإنسان العادي الواقع في المجتمع الحيوي الذي يحكم فيه العرف والعادة فهو إذا توالت عليه النعم الإلهية من المال والجاه والبنين وغيرها ووافقته على ذلك الأسباب الظاهرية اشتغل بها وتعلق قلبه بها فلم تدع له فراغا يشتغل فيه بذكر ربه وشكره بما أنعم عليه ، وإذا مسه الشر وسلب عنه بعض النعم الموهوبة أيس من الخير ولم يتسل بالرجاء لأنه لا يرى للخير إلا الأسباب الظاهرية التي لا يجد وقتئذ شيئا منها في الوجود.
وهذه الحال غير حال الإنسان الفطري غير المشوب ذهنه بالرسوم والآداب ولا الحاكم فيه العرف والعادة إما بتأييد إلهي يلازمه ويسدده وإما بعروض اضطرار ينسيه الأسباب الظاهرية فيرجع إلى سذاجة فطرته ويدعو ربه ويسأله كشف ضره فللإنسان حالان حال فطرية تهديه إلى الرجوع إلى ربه عند مس الضر ونزول الشر وحال عادية تحول فيها الأسباب بينه وبين ربه فتشغله وتصرفه عن الرجوع إليه بالذكر والشكر ، والآية تصف حاله الثانية دون الأولى.
ومن هنا يظهر أن لا منافاة بين هذه الآية والآيات الدالة على أن الإنسان إذا مسه الضر رجع إلى ربه كقوله تعالى فيما تقدم : « وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ » الآية وقوله : « وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً » الآية : يونس : ١٢ إلى غير ذلك.
ويظهر أيضا وجه اتصال الآية بما قبلها وأنها متصلة بالآية السابقة من جهة ذيلها أعني قوله : « وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً » والمحصل أن هذا الخسار غير بعيد منهم