فإن من حال الإنسان أن يشغله الأسباب الظاهرية عند نزول النعم الإلهية فينصرف عن ربه ويعرض وينأى بجانبه ، وييأس عند مس الشر.
بحث فلسفي
ذكروا أن الشرور داخلة في القضاء الإلهي بالعرض ، وقد أوردوا في بيانه ما يأتي : نقل عن أفلاطون أن الشر عدم وقد بين ذلك بالأمثلة فإن في القتل بالسيف مثلا شرا وليس هو في قدرة الضارب على مباشرة الضرب ولا في شجاعته ولا في قوة عضلات يده فإن ذلك كله كمال له ، ليس من الشر في شيء ، وليس هو في حدة السيف ودقة ذبابه وكونه قطاعا فإن ذلك من كماله وحسنه ، وليس هو في انفعال رقبة المقتول عن الآلة القطاعة فإن من كماله أن يكون كذلك فلا يبقى للشر إلا زهاق روح المقتول وبطلان حياته وهو عدمي ، وعلى هذا سائر الأمثلة فالشر عدم.
ثم إن الشرور التي في العالم لما كانت مرتبطة بالحوادث الواقعة مكتنفة بها كانت أعداما مضافة لا عدما مطلقا فلها حظ من الوجود والوقوع كأنواع الفقد والنقص والموت والفساد الواقعة في الخارج الداخلة في النظام العام الكوني ، ولذلك كان لها مساس بالقضاء الإلهي الحاكم في الكون لكنها داخلة في القضاء بالعرض لا بالذات.
وذلك أن الذي تتصوره من العدم إما عدم مطلق وهو عدم النقيض للوجود وإما مضاف إلى ملكة وهو عدم كمال الوجود عما من شأنه ذلك كالعمى الذي هو عدم البصر مما من شأنه أن يكون بصيرا.
والقسم الأول إما عدم شيء مأخوذ بالنسبة إلى ماهيته كعدم زيد مثلا مأخوذا بالنسبة إلى ماهية نفسه ، وهذا اعتبار عقلي ليس من وقوع الشر في شيء إذ لا موضوع مشترك بين النقيضين نعم ربما يقيد العدم فيقاس إلى الشيء فيكون من الشر كعدم زيد بعد وجوده ، وهو راجع في الحقيقة إلى العدم المضاف إلى الملكة الآتي حكمه.
وإما عدم شيء مأخوذ بالنسبة إلى شيء آخر كفقدان الماهيات الإمكانية كمال الوجود الواجبي وكفقدان كل ماهية وجود الماهية الأخرى الخاص بها مثل فقدان