ويتضح على هذا الوجه نكتة تفرع قوله : « فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ » إلخ على قوله : « وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ » على خلاف الوجه السابق الذي لا يترتب فيه على التفريع نكتة ظاهرة.
قوله تعالى : « وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً » لما فرغ من التنظير رجع إلى ما كان عليه من بيان حال القرآن وذكر أوصافه فذكر أنه أنزله إنزالا مصاحبا للحق وقد نزل هو من عنده نزولا مصاحبا للحق فهو مصون من الباطل من جهة من أنزله فليس من لغو القول وهذره ولا داخله شيء يمكن أن يفسده يوما ولا شاركه فيه أحد حتى ينسخه في وقت من الأوقات وليس النبي صلىاللهعليهوآله إلا رسولا منه تعالى يبشر به وينذر وليس له أن يتصرف فيه بزيادة أو نقيصة أو يتركه كلا أو بعضا باقتراح من الناس أو هوى من نفسه أو يعرض عنه فيسأل الله آية أخرى فيها هواه أو هوى الناس أو يداهنهم فيه أو يسامحهم في شيء من معارفه وأحكامه كل ذلك لأنه حق صادر عن مصدر حق ، وما ذا بعد الحق إلا الضلال.
فقوله : « وَما أَرْسَلْناكَ » إلخ متمم للكلام السابق ، ومحصله أن القرآن آية حقة ليس لأحد أن يتصرف فيه شيئا من التصرف والنبي وغيره في ذلك سواء.
قوله تعالى : « وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً » معطوف على ما قبله أي أنزلناه بالحق وفرقناه قرآنا ، قال في المجمع ، : معنى فرقناه فصلناه ونزلناه آية آية وسورة سورة ويدل عليه قوله : « عَلى مُكْثٍ » والمكث ـ بضم الميم ـ والمكث ـ بفتحها ـ لغتان. انتهى.
فاللفظ بحسب نفسه يعم نزول المعارف القرآنية التي هي عند الله في قالب الألفاظ والعبارات التي لا تتلقى إلا بالتدريج ولا تتعاطى إلا بالمكث والتؤدة ليسهل على الناس تعقله وحفظه على حد قوله : « إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ » الزخرف : ٤.
ونزول الآيات القرآنية نجوما مفرقة سورة سورة وآية آية بحسب بلوغ الناس في استعداد تلقي المعارف الأصلية للاعتقاد والأحكام الفرعية للعمل واقتضاء المصالح ذلك ليقارن العلم العمل ولا يجمح عنه طباع الناس بأخذ معارفه وأحكامه واحدا بعد