وقد افتتح تعالى الكلام في السورة بالثناء على نفسه بما نزل على عبده قرآنا لا انحراف فيه عن الحق بوجه وهو قيم على مصالح عباده في حياتهم الدنيا والآخرة فله كل الحمد فيما يترتب على نزوله من الخيرات والبركات من يوم نزل إلى يوم القيامة فلا ينبغي أن يرتاب الباحث الناقد أن ما في المجتمع البشري من الصلاح والسداد من بركات ما بثه الأنبياء الكرام من الدعوة إلى القول الحق والخلق الحسن والعمل الصالح وأن ما يمتاز به عصر القرآن في قرونه الأربعة عشر عما تقدمه من الأعصار من رقي المجتمع البشري وتقدمه في علم نافع أو عمل صالح للقرآن فيه أثره الخاص وللدعوة النبوية فيه أياديها الجميلة فلله في ذلك الحمد كله.
ومن هنا يظهر أن قول بعضهم في تفسير الآية : يعني قولوا الحمد لله الذي نزل « إلخ » ليس على ما ينبغي.
وقوله : « وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً » الضمير للكتاب والجملة حال عن الكتاب وقوله : « قَيِّماً » حال بعد حال على ما يفيده السياق فإنه تعالى في مقام حمد نفسه من جهة تنزيله كتابا موصوفا بأنه لا عوج له وأنه قيم على مصالح المجتمع البشري فالعناية متعلقة بالوصفين موزعة بينهما على السواء وهو مفاد كونهما حالين من الكتاب.
وقيل إن جملة « وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً » معطوفة على الصلة و « قَيِّماً » حال من ضمير « لِلَّهِ » والمعنى والذي لم يجعل للكتاب حال كونه قيما عوجا أو أن « قَيِّماً » منصوب بمقدر ، والمعنى : والذي لم يجعل له عوجا وجعله قيما ، ولازم الوجهين انقسام العناية بين أصل النزول وبين كون الكتاب قيما لا عوج له. وقد عرفت أنه خلاف ما يستفاد من السياق.
وقيل : إن في الآية تقديما وتأخيرا ، والتقدير نزل الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا وهو أردأ الوجوه.
وقد قدم نفي العوج على إثبات القيمومة لأن الأول كمال الكتاب في نفسه والثاني تكميله لغيره والكمال مقدم طبعا على التكميل.
ووقوع « عِوَجاً » وهو نكرة في سياق النفي يفيد العموم فالقرآن مستقيم في جميع جهاته فصيح في لفظه ، بليغ في معناه ، مصيب في هدايته ، حي في حججه وبراهينه ، ناصح في أمره ونهيه ، صادق فيما يقصه من قصصه وأخباره ، فاصل فيما يقضي به