أقرب خيرا ومنفعة من المنسي.
وأعجب منه ما عن بعض آخر أن قوله : « وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ » إلخ عطف تفسيري لقوله : « وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ » والمعنى إذا وقع منك النسيان فتب إلى ربك وتوبتك أن تقول : عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا ، ويمكن أن يجعل الوجهان الثاني والثالث وجها واحدا وبناؤهما على أي حال على كون المراد بقوله : « إِذا نَسِيتَ » مطلق النسيان ، وقد عرفت ما فيه.
قوله تعالى : « وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً » بيان لمدة لبثهم في الكهف على حال النوم فإن هذا اللبث هو متعلق العناية في آيات القصة وقد أشير إلى إجمال مدة اللبث بقوله في أول الآيات : « فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ».
ويؤيده تعقيبه بقوله في الآية التالية : « قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا » ثم قوله : « وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ » إلخ ثم قوله : « وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ » ولم يذكر عددا غير هذا فقوله : « قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا » بعد ذكر مدة اللبث كقوله : « قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ » يلوح إلى صحة العدد المذكور.
فلا يصغي إلى قول القائل إن قوله : « وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ » إلخ محكي قول أهل الكتاب وقوله : « قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا » رد له ، وكذا قول القائل إن قوله : « وَلَبِثُوا » إلخ قول الله تعالى وقوله : « وَازْدَادُوا تِسْعاً » إشارة إلى قول أهل الكتاب والضمير لهم والمعنى أن أهل الكتاب زادوا على العدد الواقعي تسع سنين ثم قوله : « قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا » رد له. على أن المنقول عنهم أنهم قالوا بلبثهم مائتي سنة أو أقل لا ثلاثمائة وتسعة ولا ثلاثمائة.
وقوله : « سِنِينَ » ليس بمميز للعدد وإلا لقيل : ثلاثمائة سنة بل هو بدل من ثلاثمائة كما قالوا ، وفي الكلام مضاهاة لقوله فيما أجمل في صدر الآيات : « سِنِينَ عَدَداً ».
ولعل النكتة في تبديل « سنة » من « سِنِينَ » استكثار مدة اللبث ، وعلى هذا فقوله : « وَازْدَادُوا تِسْعاً » لا يخلو من معنى الإضراب كأنه قيل : ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنة هذه السنين المتمادية والدهر الطويل بل ازدادوا تسعا ، ولا ينافي هذا ما تقدم في قوله : « سِنِينَ عَدَداً » إن هذا لاستقلال عدد السنين واستحقاره لأن المقامين