تفسير للكافرين وهؤلاء هم الذين ضرب الله بينهم وبين ذكره سدا حاجزا ـ وبهذه المناسبة تعرض لحالهم بعد ذكر سد يأجوج ومأجوج ـ فجعل أعينهم في غطاء عن ذكره وأخذ استطاعة السمع عن آذانهم فانقطع الطريق بينهم وبين الحق وهو ذكر الله.
فإن الحق إنما ينال إما من طريق البصر بالنظر إلى آيات الله سبحانه والاهتداء إلى ما تدل عليه وتهدي إليه ، وإما من طريق السمع باستماع الحكمة والموعظة والقصص والعبر ، ولا بصر لهؤلاء ولا سمع.
قوله تعالى : « أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ » إلخ الاستفهام للإنكار قال في المجمع ، : معناه أفحسب الذين جحدوا توحيد الله أن يتخذوا من دوني أربابا ينصرونهم ويدفعون عقابي عنهم قال : ويدل على هذا المحذوف قوله : « إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً » انتهى.
وهناك وجه ثان منقول عن ابن عباس وهو أن المعنى أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا من دوني آلهة وأنا لا أغضب لنفسي عليهم ولا أعاقبهم.
ووجه ثالث : وهو أن « أَنْ يَتَّخِذُوا » إلخ مفعول أول لحسب بمعنى ظن ومفعوله الثاني محذوف ، والتقدير أفحسب الذين كفروا اتخاذهم عبادي من دوني أولياء نافعا لهم أو دافعا للعقاب عنهم ، والفرق بين هذا الوجه والوجهين السابقين أن « أَنْ » وصلته قائمة مقام المفعولين فيهما والمحذوف بعض الصلة فيهما بخلاف الوجه الثالث فأن وصلته فيه مفعول أول لحسب ، والمفعول الثاني محذوف.
ووجه رابع : وهو أن يكون أن وصلته سادة مسد المفعولين وعناية الكلام متوجهة إلى إنكار كون الاتخاذ اتخاذا حقيقة على معنى أن ذلك ليس من الاتخاذ في شيء إذ الاتخاذ إنما يكون من الجانبين والمتخذون متبرئون منهم لقولهم : « سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ ».
والوجوه الأربعة مترتبة في الوجاهة وأوجهها أولها وسياق هذه الآيات يساعد عليه فإن هذه الآيات بل عامة آيات السورة مسوقة لبيان أنهم فتنوا بزينة الحياة الدنيا واشتبه عليهم الأمر فاطمأنوا إلى ظاهر الأسباب فاتخذوا غيره تعالى أولياء من دونه