بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا » الأعراف : ١٣٧ ، وقوله : « كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ » يونس : ٣٣ ، وقوله : « وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ » يونس : ١٩ إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة جدا.
ومن المعلوم أنه تعالى لا يتكلم بشق الفم وإنما قوله فعله وما يفيضه من وجود كما قال : « إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » النحل : ٤٠ وإنما تسمى كلمة لكونها آية دالة عليه تعالى ومن هنا سمي المسيح كلمة في قوله : « إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ » النساء : ١٧١.
ومن هنا يظهر أنه ما من عين يوجد أو واقعة تقع إلا وهي من حيث كونها آية دالة عليه كلمة منه إلا أنها خصت في عرف القرآن بما دلالته ظاهرة لا خفاء فيها ولا بطلان ولا تغير كما قال : « وَالْحَقَّ أَقُولُ » ـ ص : ٨٤ وقال : « ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ » ق : ٢٩ وذلك كالمسيح عليهالسلام وموارد القضاء المحتوم.
ومن هنا يظهر أن حمل الكلمات في الآية على معلوماته أو مقدوراته تعالى أو مواعده لأهل الثواب والعقاب إلى غير ذلك مما ذكره المفسرون غير سديد.
فقوله : « قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي » أي فرقمت الكلمات وأثبتت من حيث دلالتها بذاك البحر المأخوذ مدادا لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي.
وقوله : « وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً » أي ولو أمددناه ببحر آخر لنفد أيضا قبل أن تنفد كلمات ربي.
وذكر بعضهم : أن المراد بمثله جنس المثل لا مثل واحد ، وذلك لأن المثل كلما أضيف إلى الأصل لم يخرج عن التناهي ، وكلماته يعني معلوماته غير متناهية والمتناهي لا يضبط غير المتناهي انتهى ملخصا.
وما ذكره حق لكن لا لحديث التناهي واللاتناهي وإن كانت الكلمات غير متناهية بل لأن الحقائق المدلول عليها والكلمات من حيث دلالتها غالبة على المقادير كيف؟ وكل ذرة من ذرأت البحر وإن فرض ما فرض لا تفي بثبت دلالة نفسها في مدى وجودها على ما تدل عليه من جماله وجلاله تعالى فكيف إذا أضيف إليها غيرها؟.