قوله تعالى : « سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً » إلى آخر الآية سبحان اسم مصدر للتسبيح بمعنى التنزيه ويستعمل مضافا وهو مفعول مطلق قائم مقام فعله فتقدير « سبحان الله » سبحت الله تسبيحا أي نزهته عن كل ما لا يليق بساحة قدسه وكثيرا ما يستعمل للتعجب لكن سياق الآيات إنما يلائم التنزيه لكونه الغرض من البيان وإن أصر بعضهم على كونه للتعجب.
والإسراء والسري السير بالليل يقال سرى وأسرى أي سار ليلا وسرى وأسرى به أي سار به ليلا والسير يختص بالنهار أو يعمه والليل.
وقوله « لَيْلاً » مفعول فيه ويفيد من الفائدة أن هذا الإسراء تم له بالليل فكان الرواح والمجيء في ليلة واحدة قبل أن يطلع فجرها.
وقوله : « إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى » هو بيت المقدس بقرينة قوله : « الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ ». والقصا البعد وقد سمي المسجد الأقصى لكونه أبعد مسجد بالنسبة إلى مكان النبي صلىاللهعليهوآله ومن معه من المخاطبين وهو مكة التي فيها المسجد الحرام.
وقوله : « لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا » بيان غاية الإسراء وهي إراءة بعض الآيات الإلهية ـ لمكان من ـ وفي السياق دلالة على عظمة هذه الآيات التي أراها الله سبحانه كما صرح به في موضع آخر من كلامه يذكر فيه حديث المعراج بقوله « لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى » النجم ـ ١٨.
وقوله : « إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ » تعليل لإسرائه به لإراءة آياته أي أنه سميع لأقوال عباده بصير بأفعالهم وقد سمع من مقال عبده ورأى من حاله ما استدعى أن يكرمه هذا الإكرام فيسري به ليلا ويريه من آياته الكبرى.
وفي الآية التفات من الغيبة إلى التكلم مع الغير في قوله : « بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا » ثم رجوع إلى الغيبة السابقة والوجه فيه الإشارة إلى أن الإسراء وما ترتب عليه من إراءة الآيات إنما صدر عن ساحة العظمة والكبرياء وموطن العزة والجبروت فعملت فيه السلطنة العظمى وتجلى الله له بآياته الكبرى ولو قيل ليريه من آياته أو غير ذلك لفاتت النكتة.
والمعنى لينزه تنزيها من أسرى بعظمته وكبريائه وبالغ قدرته وسلطانه بعبده محمد في جوف ليلة واحدة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وهو بيت المقدس الذي بارك