في آخر قصة يحيى المتقدمة.
نعم بين التسليمتين فرق ، فالسلام في قصة يحيى نكرة يدل على النوع ، وفي هذه القصة محلى بلام الجنس يفيد بإطلاقه الاستغراق ، وفرق آخر وهو أن المسلم على يحيى هو الله سبحانه وعلى عيسى هو نفسه.
قوله تعالى : « ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ » الظاهر أن هذه الآية والتي تليها معترضتان ، والآية الثالثة : « وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ » من تمام قول عيسى عليهالسلام.
وقوله : « ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ » الإشارة فيه إلى مجموع ما قص من أمره وشرح من وصفه أي ذلك الذي ذكرنا كيفية ولادته وما وصفه هو للناس من عبوديته وإيتائه الكتاب وجعله نبيا هو عيسى بن مريم.
وقوله : « قَوْلَ الْحَقِّ » منصوب بمقدر أي أقول قول الحق ، وقوله : « الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ » أي يشكون أو يتنازعون ، وصف لعيسى ، والمعنى : ذلك عيسى بن مريم الذي يشكون أو يتنازعون فيه.
وقيل : المراد بقول الحق كلمة الحق وهو عيسى عليهالسلام لأن الله سبحانه سماه كلمته في قوله : « وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ » النساء : ١٧١ وقوله : « يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ » آل عمران : ٤٥ ، وقوله : « بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ » آل عمران : ٣٩ ، وعليه فقول الحق منصوب على المدح ، ويؤيد المعنى الأول قوله تعالى في هذا المعنى في آخر القصة من سورة آل عمران : « الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ » آل عمران : ٦٠.
قوله تعالى : « ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » نفي وإبطال لما قالت به النصارى من بنوة المسيح ، وقوله : « إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ » حجة أقيمت على ذلك ، وقد عبر بلفظ القضاء للدلالة على ملاك الاستحالة.
وذلك أن الولد إنما يراد للاستعانة به في الحوائج ، والله سبحانه غني عن ذلك لا يتخلف مراد عن إرادته إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون.
وأيضا الولد هو أجزاء من وجود الوالد يعزلها ثم يربيها بالتدريج حتى يصير