فقلت لعليّ بن الحسين صلوات الله عليهما : متى رأى الرّؤيا ؟ قال : في تلك اللّيلة الّتي بات فيها يعقوب صلوات الله عليه وآله شباعاً ، وبات فيها ذلك الغريب جائعاً ، فلمّا قصّها على أبيه اغتمّ يعقوب لما سمع من يوسف مع ما أوحي إليه : أن استعدّ للبلاء ، وكان اوّل بلوى نزل بآل يعقوب الحسد ليوسف عليه السّلام ، فلمّا رآى إخوة يوسف كرامة أبيه إيّاه اشتدّ عليهم فتآمروا حتّى قالوا : « أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ » (١) فلمّا خرجوا به أتوا به غيضة أشجار ، فقالوا نذبحه ونلقيه تحت شجرة يأكله الذّئب ، فقال كبيرهم : لا تقتلوه ولكن ألقوه في غيابة الجبّ فألقوه فيه ، وهم يظنّون أنّه يغرق فيه.
فلمّا أمسوا رجعوا إلى أبيهم « عِشَاءً يَبْكُونَ قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ » (٢) فاسترجع وعبر فصبر وأذعن للبلوى ، وقال : « بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ » (٣) ما كان الله ليطعم لحم يوسف الذّئب.
قال ابوحمزة : ثمّ انقطع حديث علي بن الحسين زين العابدين صلوات الله عليه ، فلمّا كان من الغدو عدوت اليه ، فقلت : إنّك حدّثت أمس بحديث يعقوب ، فما كان من قصّة إخوة يوسف بعد ذلك ؟ فقال : إنّهم لمّا أصبحوا قالوا : انطلقوا بنا حتّى نظر ما حال يوسف أمات أم هو حيّ ؟ فلمّا انتهوا إلى الجبّ وجدوا سيّارة قد أرسلوا واردهم ، فأدلى دلوه فمّا جذب الدّلو إذا هو بغلام متعلق بدلوه ، فلمّا أخرجه قال إخوة يوسف : هذا عبدنا سقط أمس في هذا الجبّ وجئنا اليوم لنخرجه ، فانتزعوه منه وقالوا له : إمّا أن تقرّ لنا أنّك عبد لنا ، فنبيعك من بعض هذه السّيارة أو نقتلك ، قال : اصنعوا ما شئتم ، فأقبلوا الى السيّارة وقالوا لهم : آمنكم من يشتري هذا العبد منّا ؟ فاشتراه بعضهم بعشرين درهماً وسار من اشتراه حتّى أدخله مصر.
فقلت لعليّ بن الحسين عليهما السّلام : إبن كم كان
يوسف صلوات الله عليه يوم ألقيَ في الجبّ ؟ قال : كان ابن تسع سنين قلت : فكم كان بين منزل يعقوب يومئذ وبين مصر ؟
قال : مسيرة اثنى عشر يوماً. وكان يوسف عليه السّلام من أجمل أهل زمانه ، فاشتراه
العزيز
_________________________________
(١) سورة يوسف : (١٢).
(٢) سورة يوسف : (١٦ ـ ١٧).
(٣) سورة يوسف : (١٨).