فلمّا مضى الأجل الّذي كان بين موسى وفرعون أوحى الله تعالى إلى موسى صلوات الله عليه أن اضرب بعصاك النّيل ، وكانوا يشربون منه ، فضربه فتحوّل دماً عبيطاً ، فاذا ورده بنو اسرائيل استقوا ماءاً صافياً ، وإذا ورده آل فرعون اختضبت أيديهم واسقيتهم بالدّم ، فجهدهم العطش حتّى أنّ المرأة من قوم فرعون تستقي من نساء بني إسرائيل ، فاذا سكبت الماء لفرعونيّة تحوّل دماً ، فلبثوا في ذلك أربعين ليلة ، وأشرفوا على الموت واستغاث (١) فرعون وآله بمضغ الرّطبة ، فصير ماؤها مالحاً ، فبعث فرعون إلى موسى : ادع لنا ربّك يعيد لنا هذا الماء صافياً ، فضرب موسى بالعصٰا النّيل ، فصار ماءاً خالصاً. هذا (٢) قصّة الدّم.
وأمّا قصّة الضّفادع ، فانّه تعالى أوحى إلى موسى أن يقوم إلى شفير النّيل حتّى يخرج كلّ ضفادع خلقه الله تعالى من ذلك الماء ، فأقبلت تدبّ سراعاً تؤمّ أبواب المدينة ، فدخلت فيها حتّى ملأت كلّ شيء ، فلم تبق دار ولا بيت ولا إناء إلّا امتلأت ضفادع ، ولا طعام ولا شراب إلّا في ضفادع ، حتّى غمّهم ذلك وكادوا يموتون ، فطلب فرعون إلى موسى صلوات الله عليه أن يدعوا ربّه ليكشف البلاء ، واعتذر اليه من الخلف ، فأوحى الله تعالى إلى موسى أن أسعفه ، فأناف (٣) موسى بالعصٰا ، فلحق جميع الضّفادع بالنّيل.
وأمّا قصّة الجراد والقمّل ، فانّه تعالى أوحى إلى
موسى عليه السّلام أن ينطلق إلى ناحية من الأرض ويشير بالعصٰا نحو المشرق وأخرى نحو المغرب ، فانبثّ (٤) الجراد من الافقين جميعاً ، فجاء مثل الأسود ، وذلك في زمان الحصاد ، فملأ كلّ شي وغمّ الزّرع ، فأكله
وأكل خشب البيوت وأبوابها ومسامير الحديد والأقفال والسّلاسل ، ونكت موسى الأرض بالعصا
، فامتلأت فصار وجه الأرض أسود وأحمر ، حتّى أنّ ثيابهم ولحفهم وآنيتهم فتجيء من أصله (٥) وتجىءُ من رأس الرّجل ولحيته وتأكل كلّ شيءٍ ، فلمّا
رأوا الّذي نزل من البلاء اجتمعوا إلى فرعون ، وقالوا : ليس من بلاء إلّا ويمكن الصّبر عليه إلّا الجوع ، فانّه
بلاء فاضح
_________________________________
(١) في هامش ق ٤ : واشتغل وفي ساير النّسخ حتّى البحار : واستغاث والظّاهر : واستعان. على ما يستدعيه معنى العبارة.
(٢) في ق ١ : هذه.
(٣) أي : أشار بها.
(٤) في ق ٣ والبحار : فانبثق.
(٥) في البحار (١٣ / ١١٥) : حتى ملئت ثيابهم ولحفهم وآنيتهم فتجيء متواصلة.