ففعل النّبي ذلك فقال الملك : ما أعرف في النّاس هذا ، فقال : إن بذلت العطيّة وجدت البغية قال : فبعث الملك بالرّسل في ذلك ، فوجدوا جنيناً بين أبويه محتاجين ، فأرغبهما في العطيّة ، فانطلقا بالصّبي إلى الملك ، فدعا بطاس فضّة وشفرة ، وقال لأمه : امسكي ابنك في حجرك.
فانطق الله الصّبيّ وقال : أيّها الملك كفّهما عن ذبحي فبئس الوالدان هما ، أيّها الملك : إنّ الصّبي الضّعيف إذا ضيم (١) كان أبواه يدفعان عنه ، وأنّ أبويّ ظلماني ، فايّاك أن تعينهما على ظلمي. ففزع الملك فزعاً شديداً ، أذهب عنه الدّاء ، ونام روذين في تلك الحالة ، فرآى في النّوم من يقول له : الإِله الأعظم أنطق الصّبيّ ، ومنعك ومنع أبويه من ذبحه ، وهو ابتلاك الشّقيقة لنزعك من سوء السّيرة في البلاد ، وهو الّذي ردّك إلى الصّحة ، وقد وعظك بما أسمعك. فانتبه ولم يجد وجعاً ، وعلم أنّ كلّه من الله تعالى ، فسار في البلاد بالعدل (٢).
فصل ـ ٢ ـ
٢٩٠ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه ، عن عمّه محمّد بن القاسم ، حدّثنا محمد بن عليّ الكوفي ، عن أبي جميلة ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنّ أسقف نجران دخل على أمير المؤمنين عليه السلام فجرى ذكر أصحاب الأخدود ، فقال عليه السلام : بعث الله نبيّاً حبشيّاً إلى قومه وهم حبشة ، فدعاهم إلى الله تعالى ، فكذّبوه وحاربوه وظفروا به وخدّوا أخدوداً ، وجعلوا فيها الحطب والنّار.
فلمّا كان حَرّاً قالوا لمن كان على دين ذلك النّبي
عليه السلام : اعتزلوا وإلّا طرحناكم فيها ، فاعتزل قوم كثير ، وقذف فيها خلق كثير ، حتّى وقعت (٣) امرأة ومعها ابن لها
من شهرين ، فقيل لها : إمّا أن ترجعي وإمّا أن تقذفي في النّار ، فهمّت أن تطرح نفسها في
النّار ، فلمّا رأت ابنها رحمته ، فأنطق الله تعالى الصّبي ، وقال : يا اماه أُلق نفسك وإيّاي في النّار ، فانّ
هذا في الله قليل (٤)
_________________________________
(١) في ق ٣ : أضيم. والضّيم بمعنى الظّلم.
(٢) بحار الانوار (١٤ / ٥١٤ ـ ٥١٥) ، برقم : (٣).
(٣) في ق ٣ : أوقعت.
(٤) بحار الانوار (١٤ / ٤٣٩) ، برقم : (٢).