ثمّ افتتح حم السّجدة ، فلمّا بلغ إلى قوله : « فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ » (١) وسمعه اقشعرّ جلده ، وقامت كلّ شعرة في بدنه ، وقام ومشي إلى بيته ، ولم يرجع إلى قريش ، فقالوا : صبا ابوعبد الشّمس إلى دين محمّد.
فاغتمّت قريش وغدا عليه ابوجهل ، فقال : فضحتنا يا عمّ ، قال : يا ابن أخي ما ذاك وإنّي على دين قومي ، ولكنّي سمعت كلاماً صعباً تقشعر منه الجلود ، قال : أفشعر هو ؟ قال : ما هو بشعر ، قال : فخطب ؟ قال : لا إنّ الخطب كلام متصل ، وهذا كلام منثور لا يشبه بعضه بعضاً له طلاوة ، قال : فكهانة هو ؟ قال : لا قال : فما هو ؟ قال : دعني أفكر فيه ، فلمّا كان من الغد ، قالوا : يا عبد شمس ما تقول ؟ قال : قولوا : هو سحر ، فانّه آخذٌ بقول النّاس ، فأنزل الله تعالى فيه : « ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا » إلى قوله : « تِسْعَةَ عَشَرَ » (٢).
٣٩٨ ـ وفي حديث حمّاد بن زيد ، عن أيّوب ، عن عكرمة قال : جاء الوليد بن المغيرة إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال : اقرأ عليّ ، فقال : « إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » (٣) فقال : أعد فأعاد ، فقال : والله إنّ له لحلاوةً وطلاوةً ، وإنّ أعلاه لمثمرٌ ، وإنّ أسفله لمغدق (٤) ، وما هذا بقول بشر (٥).
فصل ـ ٤ ـ
٣٩٩ ـ وكان قريش يُجدّون في أذى رسول الله صلّى
الله عليه وآله ، وكان أشدّ النّاس عليه عمّه ابولهب ، وكان صلّى الله عليه وآله ذات يوم جالساً في الحجر ، فبعثوا
إلى سلي (٦)
_________________________________
(١) سورة فصلت : (١٣).
(٢) بحار الانوار (١٨ / ١٨٦) ، برقم : (١٦). الآيات في سورة المدثر : (١١ ـ ٣٠).
(٣) سورة النّحل : (٩٠).
(٤) أي : خصب وعذب ومتسع ، وفي البحار : لمعذق.
(٥) بحار الانوار (١٨ / ١٨٦ ـ ١٨٧).
(٦) السّلي أي المشيمة جلدة فيها الولد في بطن أمّه.