وعدمه بخلاف الممكن بالمعنى الأول فإنه ممكن أن يكون وممكن أن لا يكون. والثالث أنّ ما بالقوة إذا حصل بالفعل فقد يكون بتغيّر الذات كما في قولنا الماء هواء بالقوة ، وقد يكون بتغيّر الصفات كما في قولنا الأمّي بالقوة كاتب ، بخلاف الممكن بالمعنى الأول ، فبين المعنيين عموم من وجه لتصادقهما في الصورة الثانية ، وصدق الأول فقط في الصورة الأولى لصدق لا شيء من الماء بهواء بالضرورة ، ولصدق الماء هواء بالإمكان ، وصدق الثاني فقط حيث يكون النسبة فعلية. هكذا في شرح المطالع. قال السيّد السّند في شرح المواقف ومولانا عبد الحكيم في حاشيته في أبحاث الحدوث : الإمكان الاستعدادي مغاير للإمكان الذاتي لأن الإمكان الذاتي اعتباري ، يعقل للشيء عند انتساب ماهيته إلى الوجود وهو لازم لماهية الممكن قائم بها يستحيل انفكاكه عنها ، ولا يتصوّر فيه تفاوت بالقوة والضعف والقرب والبعد أصلا ، بخلاف الإمكان الاستعدادي فإنه أمر موجود من مقولة الكيف كما ذهب إليه المتأخرون من الحكماء ، حيث جعلوا الاستعداد قسما رابعا من الكيفيات ، وهو قائم بمحل الشيء الذي ينسب إليه لا به ، وغير لازم له. وتحقيقه أنّ الممكن إن كفى في صدوره عن الواجب تعالى إمكانه الذاتي دام بدوامه إذ الواجب تام لا شرط لتأثيره وفاعليته ، وإن لم يكف إمكانه الذاتي في صدوره عنه تعالى احتاج إلى شرط به يفيض الوجود من الواجب عليه ، فإن كان ذلك الشرط قديما دام أيضا بدوام الواجب وشرطه القديم ، وإن كان حادثا كان الممكن المتوقف عليه حادثا ضرورة لكن ذلك الشرط يحتاج إلى شرط حادث آخر وهلمّ جرا ، فيتوقف كل حادث على حادث إلى غير النهاية. فتلك الحوادث إمّا موجودة معا وهو باطل لاستحالة التسلسل في الأمور المترتبة طبعا أو وضعا مع كونها موجودة معا ، وإمّا متعاقبة في الوجود يوجد بعضها عقيب بعض ولا بدّ له أي لذلك المجموع من محل يختص به أي بالحادث المفروض أو لا ، وإلاّ كان اختصاص مجموع الحوادث بحادث دون آخر ترجيحا بلا مرجّح. فإذن لذلك المحل استعدادات متعاقبة كلّ واحد منها مسبوق بالآخر لا إلى نهاية ، فكل سابق من الاستعدادات شرط للاحق. وإن كانا بحيث لا يجتمعان معا في الوجود ومقرب للعلة الموجودة القديمة إلى المعلول المعين بعد بعدها عنه ومقرب لذلك المعلول إلى الوجود ومبعد له عن العدم فإن المعلول الحادث إذا توقّف على ما لا يتناهى من الحوادث المتعاقبة ، فخروج كلّ منها إلى الوجود يقرب الفاعل إلى التأثير في ذلك تقريبا متجددا حتى تصل النوبة إليه فيوجد ، فهذا الاستعداد الحاصل بمحل ذلك الحادث هو المسمّى بالإمكان الاستعدادي لذلك الحادث ، وأنه أمر موجود لتفاوته بالقرب والبعد والقوة والضعف ، إذ استعداد النطفة للانسان أقرب وأقوى من استعداد العناصر له ، ولا يتصور التفاوت بالقرب والبعد والقوة والضعف في العدم. فإذن هو أمر موجود في محله الموجود وهو المادة وفيه نظر لأن قبوله لهما ليس إلاّ وهميا منتزعا من قرب فيضانه من العلّة وبعده عنها بحسب تحقق الشروط. كيف ولا دليل على أن النطفة كيفية مغايرة للكيفية المزاجية التي هي من جملة الملموسات المقربة إلى قبول الصور المتواردة عليها ، بل التحقيق أن الإمكان الاستعدادي هو الإمكان الذاتي مقيسا إلى قرب أحد طرفيه بحسب تحقق الشروط. فالمغايرة بين الإمكانين بالاعتبار وحينئذ يجوز قيام استعداد كل حادث به ولا حاجة إلى المحل. هذا قال شارح المطالع : ثم الإمكان الذاتي يطلق على معان : الأول الإمكان العامي وهو سلب الضرورة المطلقة أي الذاتية عن أحد طرفي