الإبهام أيضا ، ومنه التوشيع كذا في المطول في آخر فنّ البديع. وفي باب الإطناب قال في الإتقان : قال أهل البيان : إذا أردت أن تبهم ثم توضّح فإنك تطنب ، وفائدته إمّا روية المعنى في صورتين مختلفتين : الإبهام والإيضاح ، أو ليتمكن المعنى في النفس تمكّنا زائدا لوقوعه بعد الطلب ، فإنه أعزّ من المنساق بلا تعب ، أو لتكمل لذة العلم به ، فإنّ الشيء إذا علم من وجه ما تشوقت النفس للعلم به من باقي الوجوه وتأملت ، فإذا حصل العلم به من بقية الوجوه كانت لذته أشدّ من علمه من جميع الوجوه دفعة واحدة ، ومن أمثلته (قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) (١) فإن اشرح يفيد طلب شرح شيء ماله وصدري يفيد تفسيره وبيانه ، ومنه التفصيل بعد الإجمال نحو (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً) (٢) إلى قوله ومنها أربعة حرم ، وعكسه كقوله تعالى (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) (٣) اعيد ذكر العشرة لرفع توهم أن الواو في سبعة بمعنى أو فتكون الثلاثة داخلة فيها انتهى. وفي عدة الإجمال بعد التفصيل من الإيضاح بعد الإبهام بحث ، فالصواب أن لا يعد منه بل من أنواع الإطناب كما يستفاد من الأطول. فإن قلت قد ذكر صاحب الإتقان ناقلا عن أهل البيان نوعا آخر من الإطناب بعد ذكر الإيضاح وهو التفسير وفسّره بأن يكون في الكلام لبس وخفاء فيؤتى بما يزيله ويفسّره ، فما الفرق بينه وبين الإيضاح؟ أقول والذي يسنح بخاطري أنّ التفسير أعم من الإيضاح ، إذ هو يحصل بذكر المرادف إذا كان أشهر كتفسير اللّيث بالأسد ، وليس ذلك بإيضاح بعد الإبهام إذ ليس في الليث إبهام بل خفاء بسبب عدم شهرته بالنسبة إلى الأسد ، والله أعلم.
الإيطاء : [في الانكليزية] Repetition of the same rhyme ـ [في الفرنسية] Repetition de la meme rime
عند الشعراء هو إعادة القافية وهو عيب كما في عنوان الشرف ، وكلّما تباعدا كان القبح أقل. فإن كان أحد اللفظين معرفة والآخر نكرة واختلف المعنى لم يكن إيطاء كما في بعض الرسائل. وفي الإتقان الإيطاء تكرار الفاصلة أو القافية وهو عيب في القافية لا في الفاصلة لوقوعه في القرآن وهو قوله تعالى في الإسراء (هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً) (٤) وختم بذلك الآيتين بعدها. وقد أورد في كتاب تكميل الصناعة من عيوب القافية الإيطاء وهو تكرار القافية بأحد المعاني غير قافية المصراع الأول للمطلع ، حيث لا يعدّ تكراره في غير المطلع إيطاء ، بل يسمّونه ردّ المطلع. والإيطاء قسمان : أحدها إيطاء خفيّ حيث لا يظهر التكرار مثل : دانا (عالم) وبنينا (مبصر). وآب وكلاب (ماء الورد) وهذا عند أكثر الشعراء جائز إذا لم يكثر كثرة فاحشة. ومع ذلك فالأولى عدم وضع أمثال هذه القوافي إلى جانب بعضها. وبعضها يرى التكرار في الأمر والنهي مثل : بيا (تعال) وميا (لا تأت). وذلك بحجة أنّ الباء في بيا والميم في ميا حرفان لا معنى لهما إلاّ بالإضافة لغيرهما. إذا فالتكرار في هذه الكلمة ليس ظاهرا. وأما التكرار في النفي والإثبات مثل رفت (ذهب) ونرفت (ما ذهب) فهو بالاتّفاق ، وهو معيب وغير مستحسن. كما أنّ بعضهم يقول في ترا (إياك) ومرّا (إياي) وكرا (الذي) ثمة إيطاء خفي. وأمّا الايطاء الجلي : فهو تكرار ظاهر مثل : جانا (روحي) ويارا (صديقي)
__________________
(١) طه / ٢٥.
(٢) التوبة / ٣٦.
(٣) البقرة / ١٩٦.
(٤) الاسراء / ٩٣