وقال بعض المحققين إنّ كلا من المعرفة والاستسلام خارج من مفهوم التصديق لغة ، وهو نسبة الصدق بالقلب أو اللسان إلى القائل ، لكنهما معتبران شرعا في الإيمان إمّا على أنهما جزءان لمفهومه شرعا ، أو شرطان لإجراء أحكامه شرعا. والثاني هو الراجح لأن الأول يلزمه نقل الإيمان عن معناه اللغوي إلى معنى آخر شرعي ، والنقل خلاف الأصل ، فلا يصار إليه بغير دليل.
فائدة :
قيل الإيمان والإسلام مترادفان ، وقيل متغايران. وقد سبق تفصيله في لفظ الإسلام.
فائدة :
الإيمان هل يزيد وينقص أو لا؟ اختلف فيه. فقيل لا يقبل الزيادة والنقصان لأنه حقيقة التصديق ، وهو لا يقبلهما. وقيل لا يقبل النقصان لأنه لو نقص لانتفى الإيمان ، ولكن يقبل الزيادة لقوله تعالى (زادَتْهُمْ إِيماناً) (١) ونحوها. وقيل يقبلهما وهو مذهب جماعة أهل السنة من سلف الأمة وخلفائها. وقال الإمام هذا البحث لفظي لأن المراد (٢) بالإيمان إن كان هو التصديق فلا يقبلهما لأنّ الواجب هو اليقين الغير القابل للتفاوت لعدم احتمال النقيض فيه ، والاحتمال ولو بأبعد وجه ينافي اليقين. وإن كان المراد به الأعمال إمّا وحدها أو مع التصديق فيقبلهما وهو ظاهر. فإن قلت انتفاء الجزء يستلزم انتفاء الكل فكيف تتصوّر الزيادة والنقصان؟ قلت الأعمال ليست مما جعله الشارع جزءا من الإيمان حتى ينتفي بانتفائها الإيمان بل هي تقع جزءا منه إن وجدت. فما لم يوجد الأعمال فالإيمان هو التصديق والإقرار وإن وجدت كانت داخلة في الإيمان ، فيزيد على ما كان قبل الأعمال. وقيل الحق أنّ التصديق يقبلهما بحسب الذات وبحسب المتعلق ، أمّا الأول فلقبوله القوة والضعف فإنه من الكيفيات النفسانية القابلة لهما كالفرح والحزن والغضب. وقولكم الواجب هو اليقين والتفاوت لاحتمال النقيض. قلنا لا نسلم أنّ التفاوت لذلك فقط إذ يجوز أن يكون بالقوة والضعف بلا احتمال النقيض. ثم الذي قلتم يقتضي أن يكون إيمان النبي عليهالسلام وإيمان آحاد الأمة سواء وأنه باطل إجماعا ولقول إبراهيم عليهالسلام (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (٣) فإنه يدل على قبول التصديق اليقيني للزيادة والنقصان. والظاهر أنّ الظن الغالب الذي لا يخطر معه احتمال النقيض بالبال حكمه حكم اليقين في كونه إيمانا حقيقة ، فإنّ إيمان أكثر العوام من هذا القبيل. وعلى هذا فقبول الزيادة والنقصان واضح وضوحا تاما. وأمّا الثاني فإن التصديق التفصيلي في أفراد ما علم مجيئه به جزء من الإيمان يثاب عليه ثوابه على تصديقه بالإجمال.
فائدة :
هل الإيمان مخلوق أم لا؟ فذهب جماعة إلى أنه مخلوق. وذكر عن أحمد بن حنبل وجمع من أصحاب الحديث أنهم قالوا الايمان غير مخلوق. وأحسن ما قيل فيه الإيمان إقرار ، وهو مخلوق لأنه صنع العبد أو هداية وهي غير مخلوقة لأنها صنع الربّ. هذا خلاصة ما في العيني شرح صحيح البخاري والفتح المبين شرح الأربعين وشرح المواقف. وقد بقيت بعد أبحاث تركناها مخافة الإطناب ، فإن شئت تحقيقها فارجع إلى العيني في أول كتاب الإيمان.
__________________
(١) الأنفال / ٢.
(٢) المقصود (م ، ع).
(٣) البقرة / ٢٦٠.