فإنّ المسند هو مجموع الصفتين ، وكلّ واحد منهما جزء المسند ، فيجوز خلوّها عن الضمير لأنها حينئذ تكون بمنزلة الضاد من ضارب. إن قلت فينبغي أن لا يثنّى ولا يجمع ولا يؤنّث شيء من الجزءين عند تثنية المبتدأ وجمعه وتأنيثه؟. قلنا إجراء تلك الأحوال على الجزءين كإجراء الإعراب عليهما ، فإنّ حقّ الإعراب إجراؤه على المجموع ، لكن لمّا لم يكن المجموع قابلا للإعراب أجري إعرابه على أجزاء ، وإن شئت الزيادة على هذا فارجع إلى عبد الغفور حاشية الفوائد الضيائية في بيان تعدّد خبر المبتدأ.
ثم بدل الغلط ثلاثة أقسام : غلط صريح محقّق (١) كما إذا أردت أن تقول : جاءني حمار فسبقك لسانك إلى رجل ثم تداركته فقلت حمار. وغلط نسيان وهو أن تنسى المقصود فتعمد ذكر ما هو غلط ثم تداركته بذكر المقصود ، فهذان النوعان لا يقعان في فصيح الكلام [ولا فيما يصدر عن رويّة وفطانة] (٢). وإن وقع في كلام فحقّه الإضراب عن المغلوط فيه بكلمة بل. وغلط بداء وهو أن تذكر المبدل منه عن قصد ثم تتوهم أنك غالط فيه ، وهذا معتمد الشعراء كثيرا مبالغة وتفنّنا ، وشرطه أن ترتقي من الأدنى إلى الأعلى كقولك : هند نجم بدر [الشمس] (٣) ، كأنك وإن كنت متعمدا لذكر النجم تغلط نفسك وترى أنك لم تقصد إلا تشبيها بالبدر [وكذا قولك بدر شمس] (٤) ؛ وادّعاء الغلط هاهنا (٥) وإظهاره أبلغ في المعنى من التصريح بكلمة بل ، هكذا حقق السيّد السّند في حاشية المطول في توابع المسند إليه. اعلم أنّه قد تكون جملة مبدّلة من جملة بمنزلة بدل الكلّ نحو : (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ، اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (٦). وقد تكون بمنزلة بدل البعض نحو (أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) (٧) الآية ، فإنّ الغرض من استعماله التنبيه على نعم الله تعالى. والثاني أوفى بتأديته لدلالته على النّعم بالتفصيل من غير إحالة على علم المخاطبين المعاندين ، فوزانه وزان وجهه في أعجبني زيد وجهه ، لدخول الثاني في الأول ، فإنّ ما تعلمون يشتمل الأنعام والبنين والجنات وغيرها. وقد تكون بمنزلة بدل الاشتمال نحو قول الشاعر :
أقول له ارحل لا تقيمنّ عندنا |
|
وإلاّ فكن في السّرّ والجهر مسلما |
فإنّ الغرض من قوله ارحل كمال إظهار الكراهة لإقامة المخاطب. وقوله لا تقيمنّ عندنا أوفى بتأديته لدلالته عليه بالمطابقة مع التأكيد الحاصل بالنون ، فوزانه وزان حسنها في أعجبني الدار حسنها لأنّ عدم الإقامة مغاير للارتحال وغير داخل فيه مع ما بينهما من الملابسة والملازمة ، هكذا في المطوّل والأطول. وظهر من هذا أنّ أقسام البدل المذكورة لا تجري في الجمل حقيقة بل على سبيل التشبيه.
فائدة :
البدل في باب الاستثناء يخالف سائر الأبدال من وجهين. الأول عدم احتياجه إلى
__________________
(١) محقق (ـ م ، ع).
(٢) [ولا فيما يصدر عن روية وفطانة] (+ م ، ع).
(٣) [الشمس] (+ م ، ع).
(٤) [وكذا قولك بدر شمس] (+ م ، ع).
(٥) هاهنا (ـ م).
(٦) يس / ٢٠ ـ ٢١.
(٧) الشعراء / ١٣٤.