موسى الأشعري (١) إلى عمر (٢) رضي الله تعالى عنه أنّا قد قرأنا صكّا من الكتب التي تأتينا من قبل أمير المؤمنين ، رضي الله تعالى عنه ، وكان محلّه شعبان ، فما ندري أيّ الشعبانين هو الماضي أو الآتي ، فجمع أعيان الصّحابة واستشارهم فيما تضبط به الأوقات ، وكان فيهم ملك أهواز (٣) اسمه الهرمزان (٤) وقد أسلم على يده حين أسر ، فقال : إنّ لنا حسابا نسمّيه ماه روز ، أي حساب الشهور والأعوام ، وشرح كيفية استعماله ، فأمر عمر بوضع التاريخ. فأشار بعض اليهود إلى تاريخ الروم فلم يقبله لما فيه من الطول. وبعضهم إلى تاريخ الفرس فردّه لعدم استناده إلى مبدأ معيّن ، فإنهم كانوا يجدّدونه كلّما قام ملك ويطرحون ما قبله ، فاستقرّ رأيهم على تعيين يوم من أيامه عليه الصلاة والسلام لذلك. ولم يصلح وقت المبعث لكونه غير معلوم ولا وقت الولادة للاختلاف فيه. فقيل إنّه قد ولد ليلة الثاني أو الثامن أو الثالث عشر من ربيع الآخر سنة أربعين أو اثنتين وأربعين أو ثلاثة وأربعين من ملك نوشيروان ، ولا وقت الوفاة لتنفّر الطبع عنه. فجعل مبدأ الهجرة من مكّة إلى المدينة إذ بها ظهرت دولة الإسلام. وكانت الهجرة يوم الثلاثاء لثمان خلون من ربيع الأوّل ، وأوّل تلك السنة يوم الخميس من المحرّم بحسب الأمر الأوسط ، وكان اتفاقهم على هذا سنة سبع عشرة من الهجرة.
ومنها تاريخ الروم ويسمّى أيضا بالتاريخ [الرومي] (٥) الإسكندري ، ومبدؤه يوم الاثنين بعد مضي اثنتي عشرة سنة شمسية من وفاة ذي القرنين اسكندر بن فيلقوس (٦) الرومي الذي استولى على الأقاليم السبعة. وقيل بعد مضي ست سنين من جلوسه. وقيل مبدؤه أوّل ملكه. وقيل أوّل ملك سولوقس (٧) وهو الذي أمر ببناء أنطاكية (٨) وملك الشام والعراق وبعض الهند
__________________
(١) هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضر بن حرب ، أبو موسى الأشعري. ولد باليمن عام ٢١ ق. هـ / ٦٠٢ م وتوفي بالكوفة عام ٤٤ هـ / ٦٦٥ م. صحابي جليل. شجاع ، من القادة الفاتحين. تولى التحكيم بين علي ومعاوية. وله أخبار مشهورة. راو للحديث. إمام في القراءة. الأعلام ٤ / ١١٤ ، طبقات ابن سعد ٤ / ٧٩ ، غاية النهاية ١ / ٤٤١ ، صفة الصفوة ١ / ٢٢٥ ، حلية الأولياء ١ / ٢٥٦.
(٢) هو الخليفة عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي ، أبو حفص. ولد عام ٤٠ ق. هـ / ٥٨٤ م وتوفي عام ٢٣ هـ / ٢٤٤ م. ثاني الخلفاء الراشدين وأول من لقب بأمير المؤمنين. صحابي جليل ، شجاع عدل حازم. أسلم قبل الهجرة. فتح العراق والشام على عهده وكذلك فلسطين ومصر. كانت له مواقف مشهودة في تاريخ الدعوة الإسلامية. وهو أول من دوّن الدواوين في الإسلام. مات قتلا بخنجر من أبي لؤلؤة الفارسي. الأعلام ٥ / ٤٥ ، ابن الأثير ٣ / ١٩ ، الطبري ١ / ١٨٧ ، اليعقوبي ٢ / ١١٧ ، صفة الصفوة ١ / ١٠١ ، حلية الأولياء ١ / ٣٨ ، تاريخ الخميس ١ / ٢٥٩ ، البدء والتاريخ ٥ / ٨٨.
(٣) هي الاسم العربي لكورة ـ أي صقع ـ خوزستان ، وتقع بين البصرة وفارس ، والجبال. ثم عرب اسم الكورة (الأهواز) على إحدى مدنه وقصبته ، وهي سوق الأهواز ، فهي المرادة في كلام المتأخرين. معجم البلدان ١ / ٢٨٤ ، الأنساب ١ / ٣٩١ ، تقويم البلدان ٣١٦ ، الأمصار ذوات الآثار ٢٢٤.
(٤) هو اسم لقائد فارسي معروف ، وقع في أسر المسلمين أيام عمر بن الخطاب ، ثم أسلم ظاهرا.
(٥) الرومي (+ م).
(٦) هو الإسكندر الأكبر المقدوني ذو القرنين إسكندر بن فيلقوس أو فيليپوس. حكم من سنة ٣٣٦ ـ ٣٢٣ ق. م. وقد بنى مدينة الإسكندرية فنسبت إليه ودفن فيها. وذكر المسعودي أن قبره كان لا يزال بها حوالي سنة ٣٢٢ ه. أخبار الحكماء ٢٦ ، خطط المقريزي ١ / ١٥٠ ، دائرة المعارف الإسلامية مادة الإسكندر ، طبقات الأطباء والحكماء ٢٨ هامش ١٠.
(٧) سلوقس ، قائد مقدوني يوناني من قواد الإسكندر (٣٥٥ ـ ٢٨٠ ق. م.) أرسل إلى الجهة الشرقية من أمبراطورية الإسكندر حاكما على بابل. ثم أسّس المملكة السلوقية بعد الإسكندر ، فحكم منطقة الشرق ولقّب بسلوقس الأول. أعقبه سلوقس الثاني حتى السادس حوالي ٩٥ ق. م.
(٨) مدينة بالشام على ساحل البحر. قالوا : وكل شيء عند العرب من قبل الشام فهو أنطاكية. وقد مدحها العرب والجغرافيون