بدلا لكونه مقصودا دون الأول ، ولا ضير في كون الشيء الواحد مقصودا وغير مقصود لاختلاف الزمان. ثم إنّ هذا التأكيد قسمان : لفظي ويسمّى صريحا وقد سبق ، ومعنوي ويسمّى غير صريح وهو بخلافه ، سمّي به لحصوله من ملاحظة المعنى كما سمّي باللفظي لحصوله من تكرير اللفظ. والتأكيد الغير الصريح مختصّ بألفاظ محصورة وهي نفسه وعينه وكلاهما وكله وأجمع واكتع وأبصع وأبتع.
ومنها ما هو غير تابع للاسم ولا لغيره. ومنه تأكيد الفعل بمصدره وهو عوض من تكرير الفعل مرتين نحو : (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (١) ويجيء ذكره مع ذكر التأكيد لنفسه المسمّى أيضا بالتأكيد الخاص والتأكيد لغيره المسمّى أيضا بالتأكيد العام في لفظ المفعول المطلق. ومنه الحال المؤكّدة نحو (وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) (٢) ، ويذكر في لفظ الحال. ومنه الوصف المؤكّد نحو أمس الدابر ، هذا كله خلاصة ما في الإتقان والعباب وشروح الكافية.
تأكيد الذمّ بما يشبه المدح : [في الانكليزية] Irony corroboration of a dispraise by a braise ـ E ـ [في الفرنسية] Ironie, corroboration de la blame par ce qui reemble a une louE
عند أهل البديع من المحسّنات المعنوية ، وهو ضربان : أحدهما أن يستثنى من صفة مدح منفية عن الشيء صفة ذم له بتقدير دخولها فيه ، أي دخول صفة الذمّ في صفة المدح كقولك : فلان لا خير فيه إلاّ أنّه يسيء إلى من أحسن إليه. والثاني أن تثبت للشيء صفة ذمّ وتعقب بآداة استثناء تليها صفة أخرى له كقولك : فلان فاسق إلاّ أنّه جاهل. فالضرب الأول يفيد التأكيد من وجهين. والثاني من وجه واحد على قياس ما عرفت في تأكيد المدح بما يشبه الذم. ومنه ضرب آخر أعني الاستثناء المفرّغ نحو : لا نستحسن منه إلاّ جهله. والاستدراك فيه بمنزلة الاستثناء نحو : جاهل لكنه فاسق ، هكذا في المطول وحواشيه والاتقان.
تأكيد المدح بما يشبه الذمّ : [في الانكليزية] Corroboration of a praise by a dispraise ـ E ـ [في الفرنسية]Corroboration de la louange par ce qui reemble a une bE
عند أهل البديع من المحسّنات المعنوية ، وهو ضربان : أفضلهما أن تستثنى من صفة ذمّ منفية عن الشيء صفة مدح لذلك بتقدير دخولها فيها ، أي بتقدير دخول صفة المدح في صفة الذمّ كقول النابغة الذبياني (٣).
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم |
|
بهن فلول من قراع الكتائب. |
أي من مضاربة الجيوش. وفلول أي كسور في حدّتها. فالعيب صفة ذمّ منفية قد استثنى منها صفة مدح ، وهو أنّ سيوفهم ذات فلول أي لا عيب فيهم إلاّ هذا الفلول إن كان عيبا وكونه عيبا محال. فإثبات الشيء من العيب في المعنى تعليق بالمحال كما يقال : حتى يلج الجمل في سمّ الخياط. فتأكيد المدح ونفي صفة الذمّ في هذا الضرب من جهة أنه كدعوى الشيء ببيّنة لأنّ المعلّق بالمحال محال ضرورة. ومن جهة أنّ الأصل في الاستثناء الاتصال ، فذكر أداته قبل ذكر المستثنى يوهم إخراج الشيء
__________________
(١) الأحزاب / ٥٦.
(٢) مريم / ١٥.
(٣) هو زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري ، أبو أمامة. توفي عام ١٨ ق. هـ / ٦٠٤ م. شاعر جاهلي من الطبقة الأولى. ناقد للأدب. كانت تضرب له قبة في سوق عكاظ ليعرض الشعراء عليه شعرهم. له ديوان مطبوع. الأعلام ٣ / ٥٤ ، معاهد التنصيص ١ / ٣٣٣ ، الأغاني ١١ / ٣ ، نهاية الأرب ٣ / ٥٩ ، خزانة البغدادي ١ / ٢٨٧.