العلماء هذا الأمر من خصائصه صلىاللهعليهوسلم.
والآن ذهب قوم إلى أنّ هذه الأحاديث تحمل على من رأى النبي صلىاللهعليهوسلم بصورته وحليته المخصوصة التي كانت له فقط.
وتوسّع قوم فقالوا : سواء رآه بشكله وصورته في خلال حياته كلّها ، أي سواء كان شابا أو كهلا أو في أواخر عمره.
وضيق بعضهم فقالوا : لا بدّ من أن يراه بالصورة النهائية التي غادر بها الدنيا. وقال جماعة آخرون : إنّ رؤية الرسول صلىاللهعليهوسلم بحليته المعروفة وصفاته الموصوفة (في كتب الشمائل) هو رؤية كاملة وحقيقية وإدراك لذاته الكريمة. وأمّا رؤيته على غير تلك الحالة فهي إدراك للمثال. وكلا النوعين رؤيا حقّ وليست من أضغاث الأحلام ، ولا يتمثّل الشيطان بواحدة منهما. لكن النوع الأول حقّ وحقيقة والثاني حقّ وتمثيل. ولا حاجة بالأول إلى التعبير لعدم وجود شبهة أو لبس. والنوع الثاني بحاجة إلى تعبير وعليه : فإنّ معنى الحديث المذكور : بأيّ صورة أرى فهو حقّ وليس من الباطل ولا من الشيطان.
وقال الإمام (النووي) محي السنة : إنّ هذا القول هو أيضا ضعيف ، والصحيح هو أنّه رأى النبي صلىاللهعليهوسلم سواء كان بصفاته المعروفة أو غير ذلك. والاختلاف في الصفات لا يعني اختلاف الذات ، فإذن : إنّ المرئي بأي لباس أو أيّ صفة كانت فهو عينه.
وللإمام الغزالي في هذا المقام تحقيق آخر : ومبناه أنّ الإنسان مركّب من جزءين ، أحدهما : الروح وهي مجرّدة ، والبدن وهو آلة لإيصال الإدراك إليه. وإنّما مراد الرسول من قوله : «فقد رآني» ليس معناه رأى جسمه بل مثالا وهو آلة لتوصيل ذلك المعنى الذي في نفسي بواسطة تلك الآلة ، وبدن الإنسان في اليقظة أيضا ليس إلا آلة للنفس لا أكثر.
والآلة حينا تكون حقيقية ، وتارة تكون خيالية. إذن فما يراه النائم من شكل ومثال الروح المقدّسة الذي هو محلّ النبوة وليس جسمه أو شخصه.
ومثل هذا رؤية الحقّ سبحانه في المنام فهو منزّه عن الشكل والصورة ولكن الغاية تصبح بواسطة التعريفات الإلهية لدى العباد بواسطة الأمثلة النورانية المحسوسة أو الصور الجميلة ، وهذا يشبه الآلة.
وهكذا رؤية النبي صلىاللهعليهوسلم الذي تعتبر ذاته الطاهرة روحا مجرّدة عن الشّكل والصورة واللون ، ولكنه لمّا كان في حال الحياة فإنّ روحه المقدّسة كانت متعلّقة بذلك البدن الذي هو آلة لإدراك الروح ورؤيتها.
وأمّا بعد ما توارى بدنه الشريف في الروضة النبوية المطهّرة فإنّ الرائين (للنبي صلىاللهعليهوسلم) إنما يرون طبقا لمصلحة الوقت ووفقا لتناسب حال الرائي مع الآلات والوسائط لإدراك روح النبي صلىاللهعليهوسلم. فليس المرئي روحه المجرّدة ولا جسمه وبدنه الشريف المخصوص ، لأنّ حضور شخص متمكّن في مكان مخصوص وزمان ما بصفات متغايرة وصور مختلفة في أمكنة متعددة لا يتصوّر إلا بطريق التمثّل كما رئيت صورة شخص ما في عدد من المرايا المختلفة وعليه فالمرئي في رؤى الرائين إنّما هو مثالات للروح المقدّسة وهي حقّ. ولا طريق للقول ببطلان ذلك.
أمّا اختلاف الأمثلة فلاختلاف أحوال مرايا القلوب لدى الرائين مثلما تفاوت الأحوال للصّور بحسب تفاوت أحوال المرايا ، وإذن : فكلّ من رآه بصورة حسنة فذلك من حسن دينه ، وكلّ من رآه على عكس ذلك فذلك نقصان دينه. وهكذا إن رآه أحدهم شيخا والآخر شابا وبعضهم طفلا ، وأحدهم راضيا وآخر غضبان ،