سمّاها بالأبرار إذا استعدّت لإفاضة العاليات عليها الكمال الّذي تمّ استعدادها له ، وهو أن يتمثّل فيها ما يتعقّله من الحقّ الأوّل عزّ سلطانه بقدر ما يستطيعه ، فإنّ تعقّل الحقّ الأوّل كما هو غير ممكن لغيره ، ثمّ ما يتعقّله من معلولاته الذاتيّة أعني الوجود كلّه بحسب استعدادها تمثّلا يقينيّا خاليا عن شوائب الظنون والأوهام ، مبرّأ عن جلابيب الأبدان ، أفيض عليها دائما.
شبّه العلم بالكأس وهي الشراب لاستلزامها السكر والنشوة ، وإن كان فرقان ما بين النشأتين ، وفرقان ما بين اللذّتين والسكرين ، فإنّ أصحاب تلك التعلّقات هم بالحقيقة النشاوى من كأس المقرّبين ، السكارى من رحيق علّيّين ، والغرقى في بحار أسرار طور سينين ، الوالهين في ديار المقدّسين ، يقولون : (رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١).
وقوله : (كانَ مِزاجُها كافُوراً) وصف لتلك الكأس ، وخصوص الكافور لكونه مستلزما للبياض الّذي هو أشرف الألوان المشرقة ، لاستلزامه الرائحة اللّذيذة.
ثمّ يكون كلّ واحد من الأوصاف المحسوسة قد شابهه وصف من الأوصاف العقليّة ، ولأجله وصف المشبّه وهو الكأس بما استلزم هذه الأوصاف المحسوسة.
أمّا البياض ، فلأنّه أشرف الألوان المشرقة الصافية ، وأبعدها عن الكدورات ، ولذلك كان أحبّ الثياب إلى رسول الله البيض ، ولتلك التعلّقات لمّا كانت براءة عن شوائب الأوهام ، وكدورات الخيال ، كانت في غاية
__________________
(١) التحريم : ٨.