متابعة خليفته في أرضه في أفعاله وأقواله.
نبّه في تلك الآية على أنّ إمهاله لهم بتأخير العذاب وتأجيل العقاب ليس من عجزه تعالى ، كيف وهو الّذي خلقهم وأوجدهم وصوّرهم وشدد أسرهم ، فبيده أمرهم بحيث لا يمكن لهم الفرار من قدرته ، والتباعد عن مملكته ؛ كما قال : (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) ... (١) إلى آخره ، فليس ذلك الإمهال للعجز وعدم القدرة على العذاب ، بل لإتمام الحجّة عليهم ، وحكم اخرى لا يطّلع عليها إلّا هو.
الأولى : قال بعض العارفين : ذلك إشارة منه إلى أنّه هو المبدأ الأوّل لكلّ مخلوق.
والمراد أنّ أزمّة أمورهم وحركاتهم بيده ، وهو مبدؤها ومصدرها ، وهي مستندة إليه ، مشدودة في أسر علمه الّذي [هو] نظام لكلّ الموجودات كلّيّها وجزئيّها ، وإذا كانوا كذلك لم يكن عاجزا عن التبديل لو شاء.
وفي ذلك تنبيه على أنّ القدرة عن غيره تعالى متلاشية في جنب قدرته.
الثانية : قوله : (وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ) قيل : أي قوّينا وأحكمنا خلقهم.
وقيل : أي مفاصلهم.
وقيل : أي أوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب.
وقيل : أي جعلناهم أقوياء.
__________________
(١) الرحمن : ٣٣.