لتفسير الحديث وجوه أخرى تطول بذكرها الرسالة ، وقد ذكرنا بعضها في «أسرار العارفين» ولا يخفى أنّ بعضها ممّا يأباه ظاهر الحديث ، إلّا أنّا ذكرناه للإشارة الإجماليّة إلى بعض المذاهب الشاذّة.
قال الله عمّت رحمته : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً).
أقول : لقد أشار تعالى إلى كمال عدله ولطفه بالإنسان حيث هيّأ له الأسباب الّتي توصله إلى مقام فعليّة ما استعدّت مهيّة له في أزل الآزال ، وهو الترقّي بحسب حاله ، والكمال بما يليق بكينونيّته ، فإنّ ذلك هو الغرض المقصود في خلق الإنسان كما مرّ له البيان.
وقد عرفت أنّه تعالى ما خلقه ليستكمل شيئا من هويّته ، كيف وقد كان غنيّا عن كلّ شيء قبل خلق كلّ شيء ، مثل غنائه عن كلّ شيء بعد خلق كلّ شيء ، فما غيّر ذاته الغنيّة شيء ، بل هو الآن غنيّ عن كلّ شيء ، كما كان قبل ما كان لما كان ، فما دعاه إلى خلق شيء حاجته إلى وجود ذلك الشيء في جلب منفعة أو دفع مضرّة حتى يقضي بذلك حاجته ، ويستكمل به كينونيّته ، بل قضى بذلك ذاته من حيث هو لفيّاضيّته ورحمته ، إذ لا يتصوّر البخل في مبدأ الفيّاض المطلق ، فأفاض الوجود على الماهيّات ليستكملن ويفزن بلذّات الوجود ، ويطربن في روض رياض الشهود.
من نكردم خلق تا سودى كنم |
|
بلكه تا بر بندگان جودى كنم |
ولا يخفى أنّ من تلك الأسباب بل من أجلّها العقل اللامع الملكوتيّ المجرّد عن شوائب الهوى النفسانيّ ، قد منّ الله على ذلك النوع به ، وفضّله به على سائر أنواع الخلق ، وهو الجوهر البسيط الصافي الّذي يهدي الله به