الغذاء ، وأيضا النفس الناطقة إذا راضت القوى البدنيّة صارت تلك القوى موافقة لها سواء احتاجت إلى تلك الموافقة أو لم تحتج ، ثمّ كلّما اشتدّ الانجذاب انجذبت تلك القوى إلى متابعة النفس ، فلم تتفرّغ لأحوالها ، فلا جرم تقف الأفعال الطبيعيّة في حقّ السالكين الواصلين ، وإليه أشار بقوله عليه السلام : إنّي أتيت إلى ربّي يطعمني ويسقيني ... (١) إلى آخره.
أقول : ويؤيّد ما ذكره من أنّ الشوق إلى الله والتوجّه إليه يمسك البدن عن تحليل أجزائه الأصليّة ما مرّ من أنّ موسى عليه السلام ما أكل وما شرب أربعين يوما لميعاد ربّه ، وما نراه ونشاهده ونسمعه من حال العشّاق المجازيّين والحقيقيّين.
وقد حكي عن نجم الدين الكبريّ أنّه قال : عشقت جارية بقرية على ساحل نيل مصر ، فبقيت أيّاما لا آكل ولا أشرب إلّا ما شاء الله حتّى كثرت نار العشق فكنت أتنفّس نيرانا فكلّما تنفّست نارا ينشئ من السماء بحذاء نفسي نار فيلتقي ناران ما بيني وبين السماء ، فما كنت أدري من أين يلتقيان ، فعلمت أنّ ذلك شاهدي في السماء.
وقال أيضا : عشقت واحدا ببلاد العرب فما اشتهت نفسي إلى الطعام والشراب أيّاما ، فأخذته وربطته ومنعته عن سوائي إلّا أنّه كان عليه رقباء ، فسكت عن صريح المقال ، وجعل يكلّمني بلسان الحال فأفهمه وأكلّمه كذلك فيفهمه ، وانتهى الأمر إلى أن صرت أنا هو وهو أنا ، ووقع العشق إلى محض صفاء الروح فجاءتني روحه سحرا تمرّغ وجهها في التراب ، وتقول :
__________________
(١) المناقب ١ : ٢١٤.