فكأنّه عليه السلام قد حصر أصول المعرفة في سبع درجات :
الأولى : معرفة الحقّ بما هو عليه من الكمال والوحدانية لا بمعنى أن يطّلع على كينونيّته الساذجيّة ، ويكتنه حقيقته الذاتيّة ، فإنّ ذلك لمحال لا يدركه شيء ، ولا يدلّ عليه شيء ، كيف وكلّ شيء ممكن ، وقد ثبت امتناع اقترانه بالممكن ، كيف ولا وجود للمكن في رتبة الواجب حتّى يصحّ له الاقتران ، فإنّ كلّ ما يطلق عليه الشيئيّة ممّا سوى الحقّ خلقه وإبداعه ، فكيف يمكن أن يكون الخلق مقترنا بالخالق ، دالّا على هويّته ، كيف وليس الدليل على الذات إلّا الذات ؛ إذ غير الذات واقع تحت مقام الذات ، فلا يمكن أن يستدلّ به على الذات ، فسبحان الذات من أن يقع عليه الدلالات من غير الذات.
ومن ذلك ردّت الدلائل الّتي أقاموها على وجود الصانع ووحدانيّته ، وغير ذلك من صفاته ، وقد شهدت أنفسهم على ذلك الردّ حيث استدلّوا بما اخترعته أنفسهم من الأدلّة والبراهين على الحقّ ، مع أنّ تلك الأدلّة من أفراد الممكن ، فكيف تجعل أدلّة على الواجب المطلق تعالى.
كيف ولا دليل على وجود الحقّ إلّا الحقّ ، ولا على وحدانيّته إلّا ذاته ، فمن ادّعى معرفته فقد كفر ، ومن سأل عن التوحيد فقد تزندق ، ومن أجاب عنه فقد كفر ، بل بمعنى حصول القطع والجزم له بتقدّسه عن معرفة كلّ شيء ، وتجرّده عن وصف كلّ شيء ، وتساميه عن ثناء كلّ شيء ، وتعاليه عن ذكر كلّ شيء ، ولا يفوز بذلك المقام إلّا من ورد شريعة التوحيد ، ودخل لجّة الأحديّة ، فإنّه حينئذ يعرف الحقّ بذلك العرفان عرفانا استكشافيّا في