الخامسة : قوله (وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا) ... إلى آخره ، قيل : أي ولو تعلّق مشيّتنا وإرادتنا بإهلاكهم أهلكناهم ، وأتينا بأشباههم فجعلناهم بدلا منهم ، ولكن نبقيهم لإتمام الحجّة.
أقول : وفيه أيضا إشارة إلى عموم قدرته لكلّ شيء ، وكمال سلطنته على كلّ أمر ؛ بحيث لا يمنع قدرته مانع ، ولا يردّ ما يشاءه رادّ ، فكما قدر على إيجادهم مع أنّهم لم يكونوا شيئا مذكورا ، كذلك يقدر على إهلاكهم ، وخلع الوجود عن ماهيّاتهم ، فقوله (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ) كالتعليل للشرطيّة قدّمه لإزاحة شبهة السامع ابتداء حتّى لا يبقى له تأمّل في صدق المقال.
السادسة : قد يتوهّم من التبديل بالمثل صدق القول بالتناسخ ، فإنّ مثل الشيء ما وافقه في الحقيقة الذاتيّة ، أي خلعنا عنهم ذلك اللباس العنصريّ ، وأظهرناهم في لباس آخر ، فالهلاك متعلّقه البدن دون الحقيقة ؛ إذ بدونها لا تصدق المثليّة ، ودفعه هيّن.
كيف وفي الآية إشعار ببطلان ذلك المذهب ، فإنّ المثليّة مستلزمة للغيريّة ، فلو كان المبدّل عين المبدّل منه لما صدق التبديل بالمثل ، بل بالعين ، فلا يناسبه التبديل ، للزوم التغاير بين المبدّل والمبدّل منه بالضرورة ، والتناسخيّة لا يقولون بذلك ، بل يزعمون أنّ الأرواح البشريّة منتقلة من بدن إلى بدن بعد المفارقة من الأوّل ، فالروح المنتقل إلى البدن الثاني هو الروح الّذي كان في الأوّل بعينه ، فلا مغايرة أصلا في الحقيقة الذاتيّة ، وإنّما التغاير وصف التعيّنات الشخصيّة ، أي الأبدان الترابيّة ، فتختلف الأشكال في تلك التبدّلات ، والحقيقة واحدة في جميع الأحوال.