(هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) ، والآخر أن معناه : ليحكم كلّ نبيّ بكتابه ، وإذا حكم بالكتاب فكأنما حكم الكتاب (فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ) أي في الكتاب (إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ) أعطوه وهم اليهود والنصارى (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) يعني أحكام التوراة والإنجيل.
قال الفرّاء (١) : لاختلافهم معنيان : أحدهما كفر بعضهم بكتاب بعض كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ) (٢) الآية [...] (٣) وتكفير ببعض ، والآخر تحريفهم وتبديلهم كتاب الله تعالى كقوله : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) (٤).
وقيل : هذه الآية راجعة الى محمد صلىاللهعليهوسلم وكتابه اختلف فيه أهل الكتاب من بعد ما جاءتهم البينات صفة محمّد صلىاللهعليهوسلم في كتبهم (بَغْياً) ظلما وحسدا (بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) كقوله : (هَدانا لِهذا) وقوله : يعودون لما قالوا من الحق بإذنه بعلمه وإرادته فيهم.
وقال ابن زيد في هذه الآية : اختلفوا في الصلاة ؛ فمنهم من يصلّي الى المشرق ، ومنهم من يصلّي الى المغرب ، ومنهم من يصلّي إلى بيت المقدس ؛ فهدانا الله للكعبة ، واختلفوا في الصيام ، فمنهم من يصوم بعض يوم ، ومنهم من يصوم بعض ليلة ، فهدانا الله لشهر رمضان ، واختلفوا في يوم الجمعة ، أخذت اليهود السبت وأخذت النصارى الأحد ، فهدانا الله له ، واختلفوا في إبراهيم ، فقالت اليهود : كان يهوديا ، وقالت النصارى : كان نصرانيا ، فهدانا الله للحق من ذاك ، واختلفوا في عيسى فجعلته اليهود ابنا ، وجعلته النصارى ربّا ، فهدانا الله منه للحق (٥) (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) الآية ، قال قتادة والسّدي : نزلت هذه الآية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والمشقّة [والحر والبرد] وضيق العيش ، وأنواع الأذى كما قال : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) وقيل : أنها نزلت في حرب أحد ونظيرها في آل عمران (٦).
وقال : إنّ عبد الله بن أبي وأصحابه قالوا لأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إلى متى تقتلون أنفسكم ولا تملكون أموالكم ، ولو كان محمد نبيّا لما سلّط عليه الأسر والقتل ، فقالوا : لا جرم أنّ من قتل منّا دخل الجنّة ، فقالوا : إلى متى تمنون أنفسكم الباطل [وقد استمعتم] إلى هذه الآية.
__________________
(١) راجع زاد المسير : ١ / ٢٩.
(٢) سورة النساء : ١٥٠.
(٣) كلمة غير مقروءة.
(٤) سورة النساء : ٤٦.
(٥) تفسير الطبري : ٢ / ٣٦١.
(٦) قوله : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ)