وقال عطاء : لما دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة اشتدّ الضرّ عليهم لأنّهم خرجوا بلا مال فتكون أرضهم وأموالهم في أيدي المشركين ؛ فآثروا رضا الله عزوجل ورضا رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وأظهر اليهود والعداوة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأسرّ قوم من الأغنياء النفاق فأنزل الله تطييبا لقلوبهم (أَمْ حَسِبْتُمْ) وهو ابتداء بأم من غير استفهام ، فالألف والميم صلة معناه : أحسبتم ، قاله الفرّاء.
وقال الزّجاج : معناه : بل حسبتم ، كقول الشاعر :
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى |
|
وصورتها أم أنت في العين أملح (١) |
أي بل وأنت ، وكل شيء في القرآن من هذا النحو فهذا سبيله وتأويله ، ومعنى الآية أظننتم والرسول (أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ) يعني ولم يأتكم وحاصله كقوله تعالى : (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) وقال النابغة :
أزف الترحّل غير أنّ ركابنا |
|
لمّا تزل برحالنا وكأن قد (٢) |
أي لم تزل (مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) مضوا (من قبلكم) من النبيين والمؤمنين [وسنّتهم] (٣).
ثم ذكر ما أصابهم فقال : (مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ) يعني الفقر والضرّ والشدّة والبلاء (وَالضَّرَّاءُ) المرض والزمانة (وَزُلْزِلُوا) حرّكوا بأنواع البلايا والرزايا وخوّفوا (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ) ما تلك البلايا حتّى استبطئوا الرزق ، قال الله : (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) واختلف القرّاء في قوله تعالى : (يَقُولَ الرَّسُولُ) فقرأ مجاهد بفتح وضمّة.
الأعرج : يقول رفعا ، وقرأها الآخرون نصبا ، فمن نصب فعلى ظاهر الكلام لأن حتّى تنصب الفعل المستقبل ، ومن رفع لأنّ معناه حتّى قال الرسول ، وإذا كان الفعل الذي يلي حتّى في معنى الماضي ولفظه لفظ المستقبل ، فلك فيه دون الرفع والنصب ، فالرفع لأنّ حتّى لا بعمل الماضي ، والنصب بإضمار أنّ الخفيفة عند البصريين ، وبالصرف عند الكوفيين ، [مثل قولك :] سرنا حتّى ندخل مكة بالرفع أي حتّى دخلناها ، فإذا كان بمعنى المستقبل فالنصب لا غير.
وقال وهب بن منبه : يوجد فيما بين مكة والطائف سبعون [نبيّا] ميتين كان سبب موتهم الجوع والعمل ، وقال وهب أيضا : قرأت في كتاب رجل [من الحواريين] إذا سلك بك سبيل البلاء فقرّ عينا ، فإنه سلك بك سبيل الأنبياء والصالحين. وإذا سلك بك سبيل الرخاء فابك على
__________________
(١) لسان العرب : ١٤ / ٥٤.
(٢) لسان العرب : ٣ / ٣٤٦ ، أفد ، وكذا في المغني : ١ / ١٧١.
(٣) كذا في المخطوط.