ويضعون الربابة على يد رجل عدل عندهم ويسمى المجيل والمفيض ، ثم يجيلها ويخرج قدحا منها باسم رجل منهم ، فأيّهم خرج سهمه أخذ نصيبه على قدر ما يخرج ، فان خرج له واحد من هذه الثلاثة التي لا أنصباء لها فاختلفوا فيه فكل منهم كان لا يعهد شيئا ويغرّم ثمن الجزور كلّه.
وقال بعضهم : لا يأخذ ولا يغرّم ، ويكون ذلك القداح لغوا فيعاد سهمه ثانيا فهؤلاء الياسرون والايسار ثم يدفعون ذلك الجزور إلى الفقراء ولا يأكلون منه شيئا ، وكانوا يفتخرون بذلك ويذمّون من لم يفعل ذلك منهم ويسمّونه البرم ، قال متمم بن نويرة :
ولا برما تهدى النساء لعرسه |
|
إذا القشع في برد الشتاء تقعقعا (١) |
فأصل هذا القمار الذي كانت العرب تفعله وإنما نهى الله تعالى في هذه الآية عن أنواع القمار كلّها.
ليث عن طاوس ومجاهد وعطاء قالوا : كل شيء فيه قمار فهو الميسر حتّى لعب الصبيان بالعود والكعاب.
عن أبي الأحوص عن عبد الله قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إياكم وهاتين الكعبتين الموسومتين فإنّهما من ميسر العجم» [١٢٩] (٢).
وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليّا كرّم الله وجهه قال في النرد والشطرنج : هي من الميسر.
وعن القاسم بن محمد أنه قال : كل شيء ألهى (عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ) فهو الميسر.
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) ووزر كبير من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش والزور ، وزوال العقل والمنع من الصلاة واستحلال مال الغير بغير حق.
قرأ أهل الكوفة إلّا عاصم : كثير بالثاء ، وقرأ الباقون بالباء واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لقوله : (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) ، وقوله : (حُوباً كَبِيراً ... وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) وهي ما كانوا يصيبونها في الخمر من التجارة واللّذة عند شربهما يقول الأعشى :
لنا من صحاها خبث نفس وكابة |
|
وذكرى هموم ما تفك أذاتها |
وعند العشاء طيب نفس ولذّة |
|
ومال كثير عدّة نشواتها (٣) |
ومنفعة الميسر ما يصاب من القمار ويرتفق به الفقراء.
__________________
(١) كتاب العين للفراهيدي : ١ / ٦٥.
(٢) الأدب المفرد للبخاري : ٢٧١.
(٣) جامع البيان للطبري : ٢ / ٤٨٩.