(وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) قال المفسّرون : إثم الخمر هو أن الرجل يشرب فيسكر فيؤذي الناس ، وإثم الميسر أن يقامر الرجل فيمنع الحق ويظلم.
وقال الضحّاك والربيع : المنافع قبل التحريم ، والإثم بعد التحريم.
(وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) وذلك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم حثّهم على الصدقة ورغّبهم فيها من غير عزم قالوا : يا رسول الله ماذا ننفق؟ وعلى من نتصدق؟ فأنزل الله تعالى (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) أي شيء ينفقون وللاستفهام (قُلِ الْعَفْوَ) قرأ الحسن وقتادة وابن أبي إسحاق وأبو عمرو قُلِ الْعَفْوُ بالرفع ، واختاره محمد بن السدّي على معنى : الذي ينفقون هو العفو ، دليله قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (١) وقرأ الآخرون بالنصب واختاره أبو عبيد وأبو حاتم : قل ينفقون العفو (٢).
واختلفوا في معنى العفو ، فقال عبد الله بن عمرو ومحمد بن كعب وقتادة وعطاء والسدّي وابن أبي ليلى : هو ما فضل من المال عن العيال ، وهي رواية مقسم عن ابن عباس.
الحسن : هو أن لا تجهد مالك في النفقة ثم تقعد تسأل الناس.
الوالبي عن ابن عباس : ما لا يتبيّن في أموالكم.
مجاهد : صدقة عن تطهير غني.
عمرو بن دينار وعطاء : الوسط من النفقة ما لم يكن إسرافا ولا إقتارا. الضحّاك : الطّاقة.
العوفي عن ابن عباس : ما أتوك به من شيء قليل أو كثير فاقبله منهم.
طاوس وعطاء الخراساني : سمعنا [بشرا] قال : العفو اليسر من كل شيء.
الربيع : العفو الطيب ، يقول : أفضل مالك هو النفقة.
وكلها متقاربة في المعنى ، ومعنى العفو في اللغة الزيادة والكثرة قال الله : (حَتَّى عَفَوْا) أي كثروا ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أعفوا اللّحى» [١٣٠]. قال الشاعر :
ولكنا يعضّ السيف منا |
|
بأسوق عافيات الشحم كوم (٣) |
أي كثيرات الشحوم ، والعفو ما يغمض الإنسان فيه فيأخذه أو يعطيه سهلا بلا كلف من قول العرب : عفا أي نال سهلا من غير إكراه ، ونظير هذه الآية من الأخبار ما روى أبو هريرة أن رجلا قال : يا رسول الله عندي خير ، قال : «أنفقه على نفسك» قال : عندي آخر ، قال : «أنفقه على أهلك» قال : عندي آخر ، قال : «أنفقه على ولدك.» قال : عندي آخر ، قال : «أنفقه على
__________________
(١) سورة الأنعام : ٢٥.
(٢) راجع تفسير القرطبي : ٣ / ٦١.
(٣) تفسير الطبري : ٢ / ٤٩٨.