والديك» قال عندي آخر ، قال : «أنفقه على قرابتك» قال : عندي آخر قال : «أنت أبصر».
وروى محمود بن سهل عن عامر بن عبد الله قال : أتى رسول الله رجل ببيضة من ذهب [استلّها] من بعض المعادن فقال : يا رسول الله خذها مني صدقة ، فو الله ما أمسيت أملك غيرها ، فأعرض عنه ، فأتاه من ركنه الأيمن فقال له مثل ذلك فأعرض عنه. فأتاه من ركنه الأيسر فقال له مثل ذلك فأعرض عنه ، ثم قال له مثل ذلك فقال مغضبا : هاتها فأخذها منه وحذفه بها حذفة لو أصابه لفجّه أو عقره ، ثم قال : هل يأتي أحدكم بما يملكه ليتصدق به ويجلس يكفّف الناس ، أفضل الناس ما كان عن طهر غنيّ ، وليبدأ أحدكم بمن يعول.
قال الكلبي : فكان الرجل بعد نزول هذه الآية إذا كان له مال من ذهب أو فضة أو زرع أو ضرع نظر إلى ما يكفيه وعياله نفقة سنة أمسكه وتصدّق بسائره ، وإن كان ممن يعمل بيده أمسك ما يكفيه وعياله يومه ذلك وتصدّق بالباقي ، حتى نزلت آية الزكاة المفروضة فنسخت هذه الآية وكل صدقة أمروا بها قبل نزول الزكاة.
(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ) قال الزجاج : إنما قال : كذلك على الواحد وهو يخاطب جماعة لأن الجماعة معناها القبيل كأنّه قال : أيّها القبيل يبيّن الله لكم ، وجائز أن يكون خطابا للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ لأن خطابه مشتمل على خطاب أمّته كقوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) وقال المفضل بن سلمة : معنى الآية (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) في النفقة (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) فتحبسون من أموالكم ما يصلحكم في معاش الدنيا ، وتنفقون الباقي فيما ينفعكم في العقبى.
وقال أكثر المفسّرين : معناها : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) في أمر الدنيا والآخرة (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) في زوال الدنيا وفنائها فتزهدوا فيها ، وفي إقبال الآخرة وذهابها فترغبوا فيها.
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى) قال الضحّاك والسدّي وابن عباس في رواية عطية : كان العرب في الجاهلية يعظّمون شأن اليتيم ويشدّدون في أمره حتّى كانوا لا يؤاكلونه ، ولا يركبون له دابّة ، ولا يستخدمون له خادما ، وكانوا يتشاءمون بملامسة أموالهم ، فلمّا جاء الإسلام سألوا عن ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله عزوجل هذه الآية.
وقال قتادة والربيع وابن عباس في رواية سعيد بن جبير وعلي بن أبي طلحة : لمّا نزل في أمر اليتامى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) وقوله (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) اعتزلوا أموال اليتامى وعزلوا طعامهم من طعامهم ، واجتنبوا مخالطتهم في كل شيء حتّى كان يصنع لليتيم طعام فيفضل منه شيء فيتركونه ولا يأكلونه حتّى يفسد واشتدّ ذلك عليهم ، وسألوا عنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى).