فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بارك الله لك في ما أمسكت وفيما أعطيت» (١). فأمّا عثمان فقال : عليّ جهاز من لا جهاز له في غزوة تبوك ، فجهّز المسلمين ألف بعير بأحلاسها وأقتابها وتصدق برومة (٢) ركية كانت له على المسلمين فنزلت فيهما هذه الآية (٣).
قال عبد الرحمن بن سمرة : جاء عثمان رضياللهعنه بألف دينار في جيش العسرة فصبّها في حجر النبيّ صلىاللهعليهوسلم. قال : رأيت النبيّ صلىاللهعليهوسلم يدخل يده فيها ويقبلها ويقول : «ما ضرّ ابن عفّان ما عمل بعد اليوم».
قال أبو سعيد الخدري : رأيت النبيّ صلىاللهعليهوسلم رافعا يده يدعو لعثمان رضياللهعنه «يا رب عثمان بن عفّان رضيت عنه فأرض عنه» وما زال يدعو رافعا يديه حتّى طلع الفجر فأنزل الله تعالى فيه (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي في طاعة الله.
(ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا) وهو أن يمنّ عليه بعطائه ويعد نعمه عليه يكدّرها يواصل المنّة النعمة.
يقال : من يمنّ منّة ومنّا ومنيّة إذا أنعم وأعطى. قال الله تعالى : (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ) (٤) أي أعط ثم كثر ذلك حتّى صار ذكر النعمة والاعتداد بها منّة.
(وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) بإظهار العطيّة وذكرها لمن لا يجب وقوفه عليها وما أشبه ذلك من القول الذي يؤديه.
قال سفيان والمفضّل في قوله : (مَنًّا وَلا أَذىً) : هو أن يقول أعطيتك فما شكرت.
قال الضحاك : أن لا ينفق الرجل ماله خير من أن ينفقه ثم يتّبعه منا وأذى.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال : كان أبي يقول : إذا أعطيت رجلا شيئا وظننت أنّ سلامك يثقل عليه ، فكفّ سلامك عنه.
قال ابن زيد : فشيء خير من السلام؟
قال : وقالت امرأة لأبي : يا أبا أسامة تدلّني على رجل يخرج في سبيل الله حقّا فإنّهم لا يخرجون إلّا ليأكلوا الفواكه ، فعندي جعبة وأسهم فيها فقال : الله لا بارك الله لك في جعبتك ولا في أسهمك فقد أذيتهم قبل أن تعطيهم.
فحظر الله عن عباده المن بالصنيعة وأختص به صفتا لنفسه ؛ لأن منّ العباد تعيير وتكدير
__________________
(١) تفسير الطبري : ١٠ / ٢٤٨.
(٢) بئر رومة في عقيق المدينة ، راجع معجم البلدان : ١ / ٣٠٠.
(٣) أسباب النزول للواحدي : ٥٥.
(٤) سورة ص : ٣٩.