السين على الفعل ، يريد : إلّا وسعها أمره ، أو أراد إلّا ما وسعها فحذف (ما).
واختلفوا في تأويله ، فقال ابن عطاء والسدي وأكثر المفسّرين : أراد به حديث النفس ، وذلك أنّ الله تعالى لمّا أنزل : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ). جاء المؤمنون [عامة] وقالوا : يا رسول الله هذا لنتوب من عمل الجوارح ، فكيف نتوب من الوسوسة وكيف نمتنع من حديث النفس؟
فأنزل الله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها). أي طاقتها ، وكان حديث النفس مما لم يطيقوا.
قال ابن عباس في رواية أخرى : [...] (١) المؤمنون خاصّة وسّع الله عليهم أمر دينهم.
ولم يكلّفهم إلّا ما هم له مستطيعون ، فقال : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) (٢) ، وقال : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٣) ، وقال : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (٤).
قال الثعلبي : وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول : سمعت أبا عبد الله محمد بن نافع السجري بهراة قال : سمعت أبا يزيد حاتم بن محبوب الشامي قال : سمعت عبد الجبّار بن العلاء العطّار يقول : سئل سفيان بن عيينة عن قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها).
فقال : إلّا يسرها لا عسرها ، ولم يكلّفها طاقتها ولو كلّفها طاقتها لبلغ المجهود منها.
قال الثعلبي : وهذا قول حسن لأنّ الوسع ما دون الطاقة ، فقال بعض أهل الكلام : يعني إلّا ما يسعها ويحل لها ، كقول القائل : ما يسعك هذا الأمر؟ أي ما يحلّ الله لك؟ فبيّن الله تعالى أن ما كلّف عباده فقد وسعه لهم والله أعلم.
(لَها ما كَسَبَتْ). أي للنفس ما عملت من الخير والعمل الصالح ، لها أجره وثوابه (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ). من الشرّ بالعمل السيء عليها وزره.
(رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا). لا تعاقبنا.
قال أهل المعاني : وإنّما خرج على لفظ المفاعلة وهو فعل واحد ؛ لأنّ المسيء قد أمكر وطرق السبيل إليها وكأنّه أعان عليه من يعاقبه بذنبه ويأخذه به فشاركه في أخذه (إِنْ نَسِينا).
جعله بعضهم من النسيان الذي هو السهو.
__________________
(١) غير مقروءة في المخطوط.
(٢) سورة البقرة : ١٨٥.
(٣) سورة الحج : ٧٨.
(٤) سورة التغابن : ١٦.