مِنْ عِنْدِ رَبِّنا ... وَالرَّاسِخُونَ) أبتداء وخبره في (يَقُولُونَ) ، وهذا قول عائشة وعروة بن الزبير ، ورواية طاوس عن ابن عباس ، واختيار الكسائي والفراء والمفضّل بن سلمة ومحمد بن جرير قالوا : إنّ الراسخين لا يعلمون تأويله ، ولكنهم يؤمنون به. والآية راجعة على هذا التأويل الى العلم بما في أجل هذه الأمة ووقت قيام الساعة ، وفناء الدنيا ، ووقت طلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى عليهالسلام ، وخروج الدجال ، ويأجوج ومأجوج ، وعلم الروح ونحوها مما استأثر الله لعلمه ولم يطلع عليه أحد من خلقه.
وقال بعضهم : [اعلم أنّ المتشابه من الكتاب قد] (١) أستأثر الله بعلمه دوننا ، ونفسّره نحن ، ولم نتعبد بذلك. بل ألزمنا العمل بأوامره واجتناب نواهيه ، ومما يصدّق هذا القول قراءة عبد (٢) الله أنّ تأويله لا يعلم إلّا عند الله ، والراسخون في العلم يقولون آمنا به.
وفي حرف [ ] (٣) الراسخون في العلم آمنّا به.
ودليله أيضا ما روي عن عمر بن عبد العزيز ، إنّه قرأ هذه الآية ثم قال : انتهى علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن الى أن قالوا : (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) (٤).
وقال أبو نهيك الأسدي : إنّكم تصلون هذه الآية وإنّها مقطوعة وهذا القول أقيس العربيّة وأشبه مظاهر الآية والقصة والله أعلم.
و (الرَّاسِخُونَ) : الداخلون في العلم الذين أتقنوا علمهم ، واستنبطوه فلا يدخلهم في معرفتهم شك ، وأصله من رسوخ الشيء في الشيء وهو ثبوته وأوجب فيه يقال : (رسخ الإيمان في القلب فلان) فهو يرسخ رسخا ورسوخا وكذلك في كل شيء ورسخ رصخ ، وهذا كما يقال : مسلوخ ومصلوخ قال الشاعر :
لقد رسخت في القلب منك مودة |
|
للنبي أبت آياتها أن تغيرا (٥) |
وقال بعض المفسّرين من العلماء : الراسخون علما : مؤمني أهل الكتاب ، مثل عبد الله بن سلام و [ابن صوريا وكعب].
[قيل :] (الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) هم بعض الدارسين علم التوراة.
وروي عن أنس بن مالك [وأبي الدرداء وأبي أمامة] : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سئل من
__________________
(١) عن تفسير القرطبي : ٤ / ١٨.
(٢) في معاني القرآن للنحاس أنّها قراءة ابن عباس (١ / ٣٥١)
(٣) كلمة غير مقروءة في المخطوط.
(٤) تفسير الطبري : ٣ / ٢٤٩.
(٥) تفسير القرطبي : ٤ / ١٩ وفيه : الصدر ، بدل القلب.