(وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً).
قال الكلبي وجماعة من العلماء : هذا خطاب للأولياء ، وذلك أن ولي المرأة كان إذا زوّجها غريبا حملوها إليه على بعير ولا يعطونها من مهرها شيء ، فإن كانت معهم في العشيرة لم يعطها من مهرها قليلا ولا كثيرا ، وإن كانت غريبة حملها على بعير إلى زوجها ولم يعطها شيئا غير ذلك البعير (١) ، ولذلك كانوا يقولون لمن ولدت له بنت : هنيئا لك النافجة (٢) ، يريدون أنه يأخذ مهرها إبلا فيضمها إلى إبله فينتفجها أي يعظمها ويكثرها.
قال بعض النساء في زوجها :
لا تأخذ الحلوان من بناتها (٣)
تقول : لا يفعل ما يفعله غيره ، فنهاهم الله عزوجل عن ذلك وأمرهم بأن يدفعوا الحق إلى أهله.
قال الحضرمي : كان أولياء النساء يعطي هذا أخته على أن يعطيه الآخر أخته لا مهر بينهما ، فنهوا عن ذلك وأمرهم بتسميته وأمروا المهر عند العقد.
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا شغار في الإسلام» (٤) [٢٣٣].
وقال آخرون : الخطاب للأزواج أمروا بإيفاء نسائهن مهورهنّ التي هي أثمان فروجهنّ ، وهذا أصح وأوضح بظاهر الآية وأشبه ، لأن الله تعالى خاطب الناكحين فيما قبله ، وهذا أصل خطابهم. والصدقات المهور واحدها صدقة بفتح الصاد وضم الدال على لفظ الجمع ، وهي لغة أهل الحجاز وتميم. يقول صدقة بضم الصاد وجزم الدال ، فإذا جمعوا قالوا : صدقات بضم الصاد وسكون الدال ، وصدقات بضم الصاد والدال مثل ظلمة وظلمات ، وظلمات نظيرها المثلات ، لغة تميم مثلة ومثلات ومثلات بفتح الميم وضم الثاء واحدتها مثلة على لفظ الجمع لغة الحجاز.
(نِحْلَةً) قال قتادة : فريضة واجبة ، ابن جريح وابن زيد : فريضة مسمّاة. قال أبو عبيد : ولا تكون النحلة مسماة معلومة ، الكلبي : عطية وهبة ، أبو عبيدة : عن طيب نفس ، الزجاج : تدينا ، وفيه لغتان : نحلة ونحلة ، وأصلها من العطاء وهي نصب على التفسير وقيل على المصدر.
روى مرثد بن عبد الله عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج» (٥) [٢٣٤].
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٥ / ٢٣.
(٢) النافجة : المعظمة لمال أبيها ، قاله في الصحاح : ١ / ٣٤٥.
(٣) تفسير القرطبي : ٥ / ٢٤.
(٤) صحيح مسلم : ٤ / ١٣٩ ، ومسند أحمد : ٤ / ٤٤١.
(٥) مسند أحمد : ٤ / ١٤٤ ، مسند أبي يعلى : ٢ / ٢٩١.