ولذا قال في «المدارك» : المشتهر على ألسنة الفقهاء أنّ كثير السفر يجب عليه الإتمام ، والمراد به من كان السفر عمله كالمكاري والجمال ، فإنّ من هذا شأنه يصدق عليه أنّه كثير السفر عرفا (١) ، وفيه ما فيه.
سيّما ما نقله عن ابن إدريس أنّه اعتبر في تحقّق الكثرة ثلاث دفعات ، ثمّ ذكر عنه أنّه قال : إنّ صاحب الصنعة من المكاري والملّاحين يجب عليهم الإتمام بنفس خروجهم إلى السفر ، لأنّ صنعتهم تقوم مقام تكرّر من لا صنعة له ممّن سفره أكثر من حضره (٢).
ثمّ نقل عن العلّامة أنّه استقرب في «المختلف» تعلّق الإتمام في ذي الصنعة وغيره ممّن جعل السفر عادته بالدفعة الثانية ، بعد ما نقل عن الشهيد أنّه قال : إنّ ذلك ـ أي كون السفر عمل شخص ـ إنّما يحصل غالبا بالسفر الثالثة (٣).
ثمّ اختار هو رحمهالله الرجوع في ذلك إلى العرف ، وكذا في صدق اسم المكاري والجمال والملّاح (٤) ، والأمر كما ذكره ، لأنّ موضوعات الأحكام يرجع فيها إلى اللغة والعرف في أمثال هذه الألفاظ.
لكن المتبادر من المطلقات هو الأفراد الشائعة ، وليس منها من يكون السفر حال الصنعة سفره الأوّل أو الثاني ، سيّما مع ما ورد في صحيحة هشام من القيد ، أعني قوله عليهالسلام : «الذي يختلف وليس له مقام» (٥).
وكذا رواية سندي بن الربيع (٦) ، والمراد مقام عشرة أيّام ، كما ستعرف
__________________
(١) مدارك الأحكام : ٤ / ٤٤٩.
(٢) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٤ / ٤٥١ ، لاحظ! السرائر : ١ / ٣٣٩ و ٣٤٠.
(٣) نقل عنهما في مدارك الأحكام : ٤ / ٤٥١ ، لاحظ! مختلف الشيعة : ٣ / ١٠٩ ، ذكرى الشيعة : ٤ / ٣١٦.
(٤) مدارك الأحكام : ٤ / ٤٥١.
(٥) راجع! الصفحة : ١٤٩ من هذا الكتاب.
(٦) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢١٨ الحديث ٦٣٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٨٧ الحديث ١١٢٤٢.