بل ربّما كان الظاهر منها خلافه ، لأنّ الظاهر منها أنّ بضمّ الإياب يصير الأربعة داخلة في الثمانية وفي مسيرة يوم.
ألا ترى أنّ محمّد بن مسلم لمّا سمع أنّ المسافة بريد تعجّب وقال : بريد! (١) وذلك لأنّه رحمهالله كان سمع كونها مسيرة يوم بريدين على وجه اعتمد عليه وكان يفتي به ، كما يظهر من ترجمته في «الكشّي» (٢) ، ولمّا تعجّب وسأل كيف يكون بريدا مع أنّها بريدان؟ أجاب عليهالسلام بأنّها أيضا بريدان مسيرة يوم (٣) ، لأنّ المسافرين بحسب التعارف يرجعون إلى أوطانهم ، والرجوع أيضا سير ومسافة ، فلا يكون الأربعة مغايرة للثمانية.
ومن المعلوم أنّ مسيرة يوم لا يجب أن يكون طيّها في يوم واحد بالإجماع وغيره ، فيجب أن تكون الأربعة مع الإياب أيضا كذلك.
وبالجملة ، حال هذه الأربعة حال الثمانية ، بل هي ثمانية ، فكلّما يعتبر فيها يعتبر فيها ، وإن كان قوله عليهالسلام : «شغل يومه» ربّما يشعر بكون مجموع الذهاب والإياب في يوم واحد ، إلّا أنّ هذا الإشعار اضمحلّ في جنب ما ذكرناه ، سيّما بملاحظة أنّ السائل ما سأل إلّا عن مسافة القصر ، والجواب أيضا ما كان إلّا أنّها بريد مطابقا لسؤاله.
ثمّ لمّا تعجّب عن الجواب من الجهة التي ذكرناها ، أجاب المعصوم عليهالسلام بأنّه لا وجه لتعجّبك ، لأنّ المسافر عن الوطن لا يهاجره ، بل يقضي غرضه ويرجع إليه.
ومع الرجوع ، كيف لا يكون بريدين مسيرة يوم؟ إلّا أنّك توهّمت كونهما
__________________
(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٥٩ الحديث ١١١٦٥.
(٢) رجال الكشي : ١ / ٣٩٠ الرقم ٢٧٩.
(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٢٤ الحديث ٦٥٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٥٩ الحديث ١١١٦٥.