بل قال : هو مذهب الإماميّة الذي يجب الإقرار به (١) ، مع أنّ القدماء هم أهل الشهود ، والشاهد يرى ما لا يراه الغائب ، مع خلوّ مذهبهم عن الاعتراضات السابقة.
نعم ، يتوجّه عليهم أنّ قولهم عليهمالسلام في أهل عرفات : ويلهم أو ويحهم لم يتمّون ولا يقصّرون (٢) ، ظاهر في وجوب القصر لا التخيير ، إذ على التخيير يكون اختيار الإتمام جائزا ، فكيف يناسبهم الويل والويح وأمثالهما؟ إلّا أن يقال : إنّ هذا التوبيخ والتقريع من جهة عدم اعتقادهم بكون عرفة مسافة القصر ، لا من جهة أنّ رأيهم التخيير لا التحتّم ، كيف وهم في مسيرة أيّام أيضا لا يقصّرون ، من جهة أنّ القصر عندهم رخصة ، وقالوا عليهمالسلام : هم العصاة.
لكن في المقام قالوا : «وأيّ سفر أشدّ منه؟» (٣) أو «كأنّهم ما سافروا مع الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فيرون أنّه قصّر» (٤) ، فيعلمون أنّه مسافة القصر ، فلم يكن هذا التوبيخ متوجّها إلى من يعتقد أنّه سفر القصر وأشدّ منه سفره ، إلّا أنّ قصره ليس بلازم ، سيّما وأنّ يكون هذا الاعتقاد حصل له من قول أئمّته عليهمالسلام بعد بذل جهده واستفراغ وسعه.
وكيف كان ، لا إشكال بحسب العمل ، إذ الأحوط اختيار القصر جزما ولا غبار عليه ، إنّما الغبار على اختيار الإتمام ، وهو ليس بلازم ، وليس له داع أصلا من ضيق وقت ، أو حصول حاجة ضروريّة ، أو غير ذلك ، وثمرة الفتوى إنّما هو العمل لا غير.
__________________
(١) أمالي الصدوق : ٥١٤.
(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٦٣ الحديث ١١١٧٦.
(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٦٣ الحديث ١١١٧٦.
(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٦٤ الحديث ١١١٨١ نقل بالمضمون.