ومن هذا ظهر ظهورا تامّا أنّ مستند هذا الحكم ليس منحصرا في هذه الروايات الثلاث ، كما ذكرنا سابقا.
بل يظهر أنّ في مثل زمان ابن الجنيد ، كان غير هذه الروايات من المستندات الاخر أعرف وأشهر. ولهذا تمسّك بها ابن الجنيد ، وأعرض عن هذه الروايات بالمرّة ، ولم يعتن بها أصلا ، كما أنّ الكليني رحمهالله أيضا أعرض عنها ، ولم يشر إليها بالمرّة.
ولم يقدح ذلك فيما ادّعاه صاحب «المدارك» وغيره من اتّفاق الأصحاب على الحكم المذكور (١) ، ولم يقدحه أيضا ما نقل عن ابن الجنيد ، إذ عرفت أنّه مبني على أصله من أنّ القاطع وما يجعل في حكم الحاضر شرعا هو الخمسة لا غير.
وصرّح [الشيخ] مفلح بأنّ ما قاله ابن الجنيد هنا مبني على أصله ، فجعل الخمسة في غير بلده ما يكون مع النيّة (٢) ، والخمسة في بلده أعمّ من أن يكون مع النيّة أولا.
فظهر أنّ الانقطاع بالقاطع لا تأمّل لأحد منهم ، إنّما نزاعهم في خصوص القاطع ، وأنّه ما هو؟ ولمّا كان المشهور والظاهر من الأخبار هو العشرة لا الخمسة ، نسب المشهور ذلك إلى العشرة ، ولمّا كان الظاهر عند ابن الجنيد هو الخمسة ، نسبه إلى الخمسة.
فظهر اعتضاد هذه الروايات بغيرها من الروايات المتضمّنة لكون قصد إقامة العشرة موجبا للإتمام وجاعلا المسافر بمنزلة الحاضر ، وهي من الكثرة والصحّة والاعتبار ـ سيّما بفتاوى الأخيار ـ بمكان.
__________________
(١) مدارك الأحكام : ٤ / ٤٥٢ ، منتهى المطلب : ٦ / ٣٧٧.
(٢) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام : ١ / ٢٢٧.