فلو كان مراده الوجوب لناسبه التأكيد في الوجوب وعدم تجويز الترك ، سيّما إذا كان باقي الفقهاء في ذلك الزمان وقبله يقولون بالاستحباب ، هذا ظاهر في كون مراده شدّة تأكّد استحبابه.
ولو سلّمنا عدم الظهور ، فظهور خلافه من أين؟ بل الظاهر حينئذ أنّ مراده من السنّة ، هي السنّة الواردة في أحاديث هذا الغسل ، ومن الوجوب أيضا كذلك ، فهو رحمهالله جمع بين ما ورد في جميع الأخبار وأفتى به ، مع أنّ عبارته عين عبارة «الفقه الرضوي» ، وعادته الفتوى بعين عبارته.
وسيظهر لك أنّ المراد من السنّة في هذه الأحاديث هو الاستحباب.
هذا كلّه ، مضافا إلى ما عرفت من أماليه وغيره.
ويدلّ على استحبابه ما نقل الشيخ رحمهالله في «الخلاف» من الإجماع عليه (١).
والإجماع المنقول حجّة ، لشمول أدلّة حجّية خبر الواحد ، بل الظاهر أنّ هذا الإجماع واقعي ، بملاحظة ما نقلنا عن «الأمالي» وغيره (٢) واتّفاق فتاوى القدماء والمتأخّرين ، إذ غاية ما يظهر من المخالفة ما نسب إلى الصدوقين والكليني ، وقد عرفت الحال.
مع أنّه لو كان واجبا على الرجال والنساء ، كما هو مقتضى ما نسب إلى مدّعيه واقتضاه أدلّته ، لكان ممّا يعمّ به البلوى ، ويكثر الحاجة إلى ذكر وجوبه والأمر به ، فكان رواة تلك الأخبار يلتزمون ويلزمون ويأمرون ، وباقي الشيعة إمّا يقبلون منهم ، أو يراجعون إلى أئمّتهم في عصرهم ، فكانوا يأمرون ، فكانوا هم أيضا يلتزمون ويلزمون في كلّ جمعة ، وهذا يقتضي الشيوع والذيوع بين الرجال
__________________
(١) الخلاف : ١ / ٦١١ المسألة ٣٧٦.
(٢) مرّت الإشارة إليه آنفا.