وهذا الاعتراض ليس بشيء ، لأنّ الأصل عدم الوجوب وبراءة الذمّة عنه حتّى يثبت ، فيفهم بضميمته وملاحظته الاستحباب.
مع أنّ المتعارف عدم تأدية الواجب بما يفيد مجرّد الرجحان والقدر المشترك بينه وبين المستحب مع عدم لزوم أصلا ، بل هذا يناسب المستحب.
مع أنّ المثبت ليس إلّا ما ورد في الأخبار من لفظ «الوجوب» ، فإن بني على ثبوت الحقيقة الشرعيّة ، فاللازم حمل السنة على المعنى الحقيقي ، ومجرّد الاستعمال بل وكثرة الاستعمال لا ضرر فيه ، ولذا لفظ العام حقيقة في العموم وإن كثر استعماله في الخصوص إلى أن قالوا : ما من عام إلّا وقد خصّ (١) ، وتلقّوه بالقبول ، وكذا الحال في استعمال الأمر في الاستحباب وغير ذلك ، وإطلاق لفظ «السنّة» الآن يتبادر منه ما يقابل الوجوب.
وإن بني على عدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة ، فلا يكون دليل يظهر منه الوجوب الاصطلاحي ، فلا حاجة إلى الاستدلال على الاستحباب لمكان الأصل ، والاستدلال إنّما هو بناء على تسليم الثبوت ، إلّا أن يقال بثبوت الحقيقة الشرعيّة في لفظ «الوجوب» دون «السنّة» ، فمع أنّه خلاف المعهود من المعترض والمستدلّ ، لا وجه للاعتراض بأنّه يستعمل في كذا ، فلعلّه مراد ، ومع ذلك فلا بدّ من التأمّل فيما ثبت.
على أنّا نقول : حمل السنّة هنا على ما ثبت من السنّة بعيد ، إذ الظاهر أنّ سؤال هذين الجليلين كان عن لزوم فعله وعدمه ، لا عن مأخذ حكمه.
مع أنّ السنّة إذا استعمل فيما ثبت من غير الكتاب ، يكون المراد من الكتاب ظاهر الكتاب بلا شبهة ، وإلّا فلا رطب ولا يابس إلّا فيه ، وجميع ما ثبت بالسنّة
__________________
(١) معالم الدين في الاصول : ١١٩.