الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) ، ثم دحا الأرض بعد ذلك أي بسطها ، قال ابن عباس وعبد الله بن عمرو : خلق الله الكعبة ووضعها على الماء على أربعة أركان قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام فدحيت الأرض من تحت البيت ، وقيل معناه : والأرض مع ذلك دحاها كما يقال للرجل : أنت أحمق وأنت بعد هذا لئيم الحسب ، أي مع هذا ، قال الله عزوجل : (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) (١) أي مع ذلك ، وقال الشاعر :
فقلت لها عني إليك فإنني |
|
حرام وإني بعد ذاك لبيب (٢) |
يعني مع ذلك.
ودليل هذا التأويل قراءة مجاهد والأرض عند ذلك دحاها وقيل بعد بمعنى قبل كقوله سبحانه : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) (٣) أي من قبل الذكر وهو القرآن ، وقال الهذلي :حملت الهي بعد عروة إذا نجا خراش وبعض الشراهون من بعض زعموا أن خراشا نجا قبل عروة.
وقراءة العامة (وَالْأَرْضَ) بالنصب ، وقرأ الحسن والأرض رفعها بالابتداء الرجوع الهاء وكلا الوجهين سائغان في عائد الذكر ، والدّحو البسط والمدّ ، ومنه أدحي النعامة ؛ لأنها تدحوه بصّدرها ، يقال : دحا يدحوا دحوا ودحا يدحا دحيا لغتان مثل قولهم طغى يطغو أو يطغي وصغا يصغو ويصغي ، ومحا يمحو ويمحي ولحي العود يلحوا أو يلحي ، فمن قال : يدحو قال دحوت ، ومن قال يدحا قال : دحيت.
(أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها) قال القتيبي : أنظر كيف دلّ بشيئين على جميع ما أخرجه من الأرض قوتا ومتاعا للأنعام من العشب والشجر والحبّ والتمر والعصف والحطب واللباس والنار والملح ، لأنّ النار من العيدان والملح من الماء.
(وَالْجِبالَ أَرْساها) قراءة العامة بالنصب وقرأ عمرو بن عبيد بالرفع. (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ * فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) وهي القيامة سميت بذلك ؛ لأنها تطم على كلّ هائلة من الأمور فتغمر ما سواها بعظم هولها ؛ أي يغلب ، والطامة عند العرب الناهية التي لا تستطاع ، وإنّما أخرت من قولهم طمّ الفرس طميمها إذا استفرغ جهده الجري.
أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حبيش قال : حدّثنا محمد بن عمران قال : حدّثنا هناد ابن السهى قال : حدّثنا أبو أسامة عن ملك بن مغول عن القاسم الهمداني (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) قال الحسن : يسوق أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار.
__________________
(١) سورة القلم : ١٣.
(٢) تفسير القرطبي : ١٩ / ٢٠٥.
(٣) سورة الأنبياء : ١٠٥.