(وَما أَدْراكَ) يا محمد (ما سِجِّينٌ) أي ذلك الكتاب الذي في السجّين ثم منّ فقال : (كِتابٌ) أي هو كتاب (مَرْقُومٌ) مكتوب مثبت عليهم كالرقم في الثوب لا ينسى ولا يمحى حتى يجازوا به وقال قتادة : رقم لهم بشرّ وقيل : مختوم بلغة حمير. (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا) قراءة العامة (تُتْلى) ، وقرأ أبو حيان بالياء لتقديم الفعل.
(قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ)أخبرنا الحسين قال :حدّثنا الفضل قال : حدّثنا أبو الحسن أحمد بن مكرم التربي ببغداد قال : حدّثنا علي المكرمي قال : حدّثنا الوليد بن مسلم قال : سمعت محمد بن عجلان يقول : حدّثني القعقاع بن حكم أن أبا صالح السمّان قال أن أبا هريرة حدّثه أنّه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إنّ العبد إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب صقل قلبه وإن عاد زادت حتى يسوّد قلبه» [١٠٩] (١) قال : فذلك قوله سبحانه (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) وكذا قال المفسرون : هو الذنب على الذنب حتى يسوّد القلب ، وقال حذيفة بن اليمّان : القلب مثل الكفّ فإذا أذنب العبد انقبض وقبض إصبعا من أصابعه ثم إذا أذنب انقبض وقبض إصبعا أخرى ، ثم إذا أذنب انقبض وقبض أصابعه ثم يطبع عليه فكانوا يرون أنّ ذلك هو الرين ، ثمّ قرأ هذه الآية.
وقال بكر بن عبد الله : إنّ العبد إذا أصاب الذنب صار في قلبه كوخزة الإبرة ثمّ إذا أذنب ثانيا صار كذلك فإذا كثرت الذنوب صار القلب كالمنخل أو كالغربال ، وقال الحسن : هو الذنب على الذنب حتى لعله يصدئ القلب ، وقال ابن عباس : طبع عليها ، عطا : غشيت على قلوبهم فهوت بها فلا يفزعون ولا يتحاشون (٢) ، وقيل : قلبها فجعل أسفلها أعلاها ، نظيره قوله سبحانه (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ) (٣) وأصل الرين الغلبة ، يقال : رانت الخمر على عقله إذا غلبت عليه فسكر ، وقال أبو زبيد الطائي :
ثم إذا رآه رانت به الخمر |
|
وأن لا يرينه باتّقاء |
وقال الراجز :
لم نرو حتى هجّرت ورين بي |
|
ورين بالسّاقي الذي أمسى معي (٤) |
معنى الآية غلب على قلوبهم وأحاطت بها حتى غمرتها وغشيتها.
__________________
(١) مسند أحمد : ٢ / ٢٩٧ ، تحفة الاحوذي : ١ / ٢٥ ، جامع البيان للطبري : ٣٠ / ١٢٣ بتفاوت.
(٢) تفسير الطبري : ٣٠ / ١٢٤.
(٣) سورة الأنعام : ١١٠.
(٤) جامع البيان للطبري : ٣٠ / ١٢٢.