عظيمة قطعت الطريق على الناس فمر بها الغلام فرماها فقتلها فأحس الراهب بذلك فازداد به عجبا وقال أنت قتلتها قال : نعم قال : إنّ لك لشأنا ، وكان للملك ابن مكفوف البصر ، فسمع بالغلام وقتله الحيّة فجاءه مع قائد فقال : أنت قتلت الحيّة؟ قال : لا ، قال : ومن قتلها؟ قال : الله ، قال : من الله؟ قال : ربّ السموات والأرض وما بينهما وربّ الشمس والقمر والليل والنهار والدنيا والآخرة ، قال : فان كنت صادقا فادع ربّك حتى يرد عليّ بصري ، قال : الغلام أرأيت إن ردّ الله سبحانه عليك بصرك أتؤمن به؟
قال : نعم ، قال : اللهم إن كان صادقا فاردد عليه بصره ، فردّ الله تعالى عليه بصره فرجع إلى منزله بلا قائد ، ثم دخل على الملك فلما رآه تعجب منه فقال : من صنع هذا ، قال : الله ، قال : ومن الله؟
قال : ربّ السموات والأرض وما بينهما وربّ المشرق والمغرب وربّ الشمس والقمر والليل والنهار والدنيا والآخرة ، فقال له الملك : أخبرني من علّمك هذا ، ودلّه على الغلام فدعاه فكلّمه فإذا غلام عاقل ، فسأله عن دينه فأخبره بالإسلام ومن آمن معه ، فهمّ الملك بقتلهم مخافة أن يبدل دينه فأرسل بهم إلى ذروة جبل وقال : ألقوهم من رأس الجبل ، فذهبوا بالغلام إلى أطول جبل فدعا الغلام ربّه فأهلكهم الله سبحانه ، فغاظ الملك ذلك ، ثم أرسل معهم رجالا إلى البحر فقال : غرّقوهم فدعا الغلام ربّه فأغرقهم ونجا هو وأصحابه ، فدخل على الملك فقال : ما فعل أصحابك الذين أرسلتهم معك؟
فقال : أهلكهم الله ونجّاني فقال : اقتلوه بالسيف فنبا السيف عنه ، وفشا خبره بأرض اليمن وعرفه الناس فعظّموه وعلموا إنه وأصحابه على الحق فقال الغلام للملك : إنّك لا تقدر على قتلي إلّا أن تفعل ما أقول ، قال : فكيف أقتلك ، قال : تجمع أهل مملكتك وأنت على سريرك فترميني بسهم باسم إلهي ، ففعل الملك ذلك ثم رماه باسم إله الغلام فأصابه فقتله ، فقال الناس : لا إله إلّا إله عبد الله بن ثامر ولا دين إلّا دينه ، فغضب الملك وأغلق الباب وأخذ أفواه السكك وخدّ أخدودا وملأه نارا ثم عرضهم رجلا رجلا فمن رجع عن الإسلام تركه ومن قال ديني دين عبد الله ألقاه في الأخدود فأحرقه ، وكان في مملكته امرأة أسلمت فيمن أسلم ولها أولاد ثلاثة أحدهم رضيع ، فقال لها الملك : ارجعي عن دينك وإلّا ألقيك في النار وأولادك معك ، فأبت فأخذ ابنها الأكبر فألقاه في النار ثم قال لها : ارجعي إلى دينك فأبت فألقى الثاني في النار ثم قال لها : ارجعي عن دينك فأبت فأخذوا الصبي منها ليلقوه في النار فهمّت المرأة بالرجوع فقال الصبي : يا أماه لا ترجعي عن الإسلام فأنك على الحق ولا بأس عليك فألقي الصبي في النار وألقيت أمه على أثره فذلك قوله سبحانه (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) (١).
__________________
(١) بتفاوت في تفسير القرطبي : ١٩ / ٢٨٩.