(عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها) ، قرأ الحسن وعاصم والأخفش وابن محيص بالتخفيف ، وغيرهم بالتشديد ، وهما لغتان وفرق قوم بينهما ، فقال : التبديل تغيير الشيء أو تغيير حاله وعين الشيء قائم ، والإبدال رفع الشيء ووضع شيء آخر مكانه.
قال عبد الله بن مسعود : بلغني أنّ القوم أخلصوا وعرف الله تعالى منهم الصدق ، فأبدلهم بها جنّة يقال لها : الحيوان ، فيها عنب يحمل البغل منها عنقودا. وقال بكر بن سهل الدمياطي : حدّثني أبو خالد اليمامي أنه رأى تلك الجنّة ، وقال : رأيت كل عنقود منها كالرجل الأسود القائم.
(إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ * كَذلِكَ الْعَذابُ) أي كفعلنا بهم نفعل بمن تعدّى حدودنا وخالف أمرنا.
(وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ * إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتابٌ) نزل من عند الله سبحانه وتعالى. (فِيهِ تَدْرُسُونَ) تقرؤون ما فيه. (إِنَّ لَكُمْ فِيهِ) في ذلك الكتاب (لَما تَخَيَّرُونَ) تختارون وتشتهون (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ) عهود ومواثيق (عَلَيْنا بالِغَةٌ) كما عهدناكم علمه ووعدناكم فاستوثقتم بها منا ، فلا ينقطع عهدكم (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ) كسر (إن) لدخول اللام فيه في ذلك العهد. (لَما تَحْكُمُونَ) تقضون وتريدون فيكون لكم حكمكم. (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ) الذي ذكرت (زَعِيمٌ) كفيل ، والزعيم : الرسول ها هنا ـ قاله الحسن وابن كيسان ـ قائم بالحجة والدعوى (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ) أرباب تفعل هذا. وقيل : شهداء يشهدون لهم بصدق ما يدّعونه.
(فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ).
(يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (٤٣) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢))
(يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) أي عن أمر شديد فظيع ، وهو إقبال الآخرة. قرأه العامة بياء مضمومة ، وقرأ ابن عباس بتاء مفتوحة ، أي يكشف القيامة عن ساقها. وقرأ الحسن بتاء مضمومة (عَنْ ساقٍ) أي عن أمر شديد فظيع ، وهو إقبال الآخرة وذهاب الدنيا وهذا من باب الاستعارة ، يقول العرب للرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج فيه إلى جد وجهد ومعاناة ومقاساة للشدة : شمّر عن ساقه ، فاستعير الساق في موضع الشدة.