قال العلماء في معنى هذا الحديث : لأنه عرّف العسر ونكّر اليسر ، ومن عادة العرب إذا ذكرت اسما معرفة ثم أعادته فهو هو ، وإذا نكرّته ثم كررته فهما اثنان ، وقال الحسن بن يحيى بن نصر الجرجاني صاحب كتاب (النظم) وهو يكلم الناس في قوله عليهالسلام : «لن يغلب عسر يسرين» [١٧٧] : فلم يحصل غير قولهم : إن العسر معرفة واليسر نكرة مكررة ، فوجب أن يكون [عسر] واحد ويسران ، وهذا قول مدخول [إذ] لا يجب على هذا التدريج إذا قال الرجل : إنّ مع الفارس سيفا إنّ مع الفارس سيفا أن يكون الفارس واحدا والسيف اثنين ، ولا يصح هذا في نظم العربية.
فمجاز قوله : «لن يغلب عسر يسرين» إن الله بعث نبيّه عليهالسلام مقلّا مخففا فعيّره المشركون لفقره ، حتى قالوا أنجمع لك مالا؟ فاغتمّ ، فظنّ أنهم كذّبوه لفقره ، فعزّاه الله سبحانه وتعالى وعدد عليه نعماءه ووعده الغنى فقال : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) إلى قوله (ذِكْرَكَ) ، فهذا ذكر امتنانه عليه ، ثم ابتدأ ما وعده من الغنى ليسلّبه مما خامر قلبه ، فقال (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) ، والدليل عليه دخول الفاء في قوله (فَإِنَّ) ولا يدخل الفاء أبدا إلّا في عطف أو جواب.
ومجازه : لا يحزنك ما يقولون (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) في الدنيا عاجلا ، ثم أنجزه ما وعده وفتح عليه القرى العربية ، ووسّع ذات يده ، حتى يهب المائتين من الإبل ، ثم ابتدأ فضلا آخر من الآخرة فقال تأسية له : (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) ، والدليل على ابتدائه تعرّيه من الفاء والواو وحروف النسق فهذا عام لجميع المؤمنين ، ومجازه : (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ) في الدنيا للمؤمنين (يُسْراً) في الآخرة لا محالة ، فقوله : «لن يغلب عسر يسرين»! أي لن يغلب عسر الدنيا اليسر الذي وعد الله المؤمنين في الدنيا ، واليسر الذي وعدهم في الآخرة ، إنما يغلب أحدهما وهو يسر الدنيا ، فأمّا يسر الآخرة فدائم غير زايل ؛ اي لا يجمعهما في الغلبة ، كقوله عليهالسلام «شهرا عيد لا ينقصان» اي لا يجتمعان في النقصان.
وقال أبو بكر الوراق : مع [أختها] بالدنيا جزاء الجنة ، قال القاسم : [بردا هذه السعادة من أسحار] (١) الدنيا إلى رضوان العقبى ، وقراءة العامة بتخفيف السينين ، وقرأ أبو جعفر وعيسى ، بضمهما ، وفي حرف عبد الله : إنّ مع العسر يسرا ، مرة واحدة غير مكررة.
أخبرني أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد الرمجاري وأبو الحسن علي بن محمد ابن محمد البغدادي قالا : حدّثنا محمد بن يعقوب الأصم قال : حدّثنا أحمد بن شيبان الرملي قال : حدّثنا عبد الله بن ميمون القداح قال : حدّثنا شهاب بن خراش ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ابن عباس قال : أهدي للنبي صلىاللهعليهوسلم بغلة ، أهداها له كسرى فركبها بحبل من شعر ، ثم أردفني
__________________
(١) كذا في المخطوط.