خلفه ، ثم سار بي مليّا ، ثم التفت اليّ فقال لي : «يا غلام» ، قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : «احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرّف الى الله في الرخاء يعرفك في الشدّة ، وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، قد مضى القلم بما هو كائن ، فلو جهد الخلائق أن ينفعوك بما لم يقضه الله لك ، لما قدروا عليه ، ولو جهدوا أن يضرّوك بما لم يكتبه الله عليك ما قدروا عليه ، فإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين فافعل ، فإنّ لم تستطع فاصبر ، فإنّ في الصبر على ما يكره خيرا كثيرا ، واعلم أنّ مع الصبر النصر ، وأنّ مع الكرب الفرج و (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [١٧٨] (١).
وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد بن الحسن النيسابوري يقول : سمعت أبا علي محمد ابن عامر البغدادي يقول : سمعت عبد العزيز بن يحيى يقول : سمعت عمي يقول : سمعت العتبي يقول : كنت ذات يوم في البادية بحالة من الغم فألقي في روعي بيت شعر فقلت :
أرى الموت لن أصبح ولاح |
|
مغموما له أروح |
فلمّا جنّ الليل سمعت هاتفا يهتف ، من الهواء :
ألا يا أيّها المرء |
|
الذي الهمّ به برّح |
وقد أنشد بيتا لم |
|
يزل في فكره يسنح |
إذا اشتدّ بك العسر |
|
ففكّر في ألم نشرح |
فعسر بين يسرين |
|
إذا فكّرتها فافرح |
قال : فحفظت الأبيات ، وفرّج الله غمّي (٢).
وأنشدنا أبو القاسم الحبيبي قال : أنشدنا أبو محمد أحمد بن محمد بن إسحاق الجيزنجي قال : أنشدنا إسحاق بن بهلول القاضي :
فلا تيأس وإن أعسرت يوما |
|
فقد أيسرت في دهر طويل |
ولا تظننّ بربك ظنّ سوء |
|
فإنّ الله أولى بالجميل |
فإنّ العسر يتبعه يسار |
|
وقول الله أصدق كلّ قيل (٣) |
وأنشدني أبو القاسم الحبيبي قال : أنشدني محمد بن سليمان بن معاد الكرخي قال : أنشدنا أبو بكر الأنباري :
إذا بلغ العسر مجهوده |
|
فثق عند ذاك بيسر سريع |
__________________
(١) بتفاوت في مسند أحمد : ١ / ٢٩٣ ، وتمامه في كتاب الدعاء للطبراني : ٣٤.
(٢) زاد المسير : ٨ / ٢٧٣.
(٣) حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا : ١٢٣ ، وقد نسبت الأبيات فيه إلى محمود الوراق ، وفيه تفاوت يسير.