فجاؤا فأخذوه فجدعوا أنفه وانفذوا أذنيه وفقأوا عينيه ، ووقفوا بين ظهراني المدينة ، وكانت مدينة ذات أساطين ، وكان ملكهم قد أشرف عليها بالناس لينظروا إلى شمشون وما يصنع به ، فدعا شمشون ربّه حين مثلوا ووقفوه أن يسلّطه عليهم ، فأمر أن يأخذ بعمودين من عمد المدينة التي عليها الملك والناس الذين معه فاجتذبهما جميعا فجذبهما ، فردّ الله تعالى إليه بصره وما أصابوا من جسده ، ووقعت المئذنة بالملك ومن عليها من الناس ، فهلكوا فيها هدما (١).
وقيل : هو أن الرجل فيما مضى كان لا يستحق أن يقال له : عابد ، حتى يعبد الله ألف شهر وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر ، فجعل الله سبحانه لأمّة محمد عليهالسلام ليلة خيرا (مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) كانوا يعبدون فيها.
وقال أبو بكر الورّاق : كان ملك سليمان خمسمائة شهر وملك ذي القرنين خمسمائة شهر ، فيحتمل أن يكون معنى الآية : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ) لمن أدركها مما ملكه سليمان وذو القرنين عليهماالسلام.
وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شنبه قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن الأشقر قال : حدّثنا زيد بن أخرم قال : حدّثنا أبو داود قال : حدّثنا علقمة بن الفضل عن يوسف بن مازن الراسبي قال : قام رجل إلى الحسن بن علي فقال : سوّدت وجوه المؤمنين ، عمدت إلى هذا الرجل فبايعته يعني معاوية فقال : «لا تؤنّبني [رحمك الله فإن] رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد أري بني أميّة يخطبون على منبره رجلا رجلا فساءه ذلك فنزلت (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) ونزلت (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) تملكه بنو أميّة.
قال القاسم : اللهمّ فحسبنا ملك بني أميّة فإذا هو ألف شهر لا يزيد ولا ينقص» [٢١٨] (٢).
وقال المفسّرون : عمل صالح في ليلة القدر (خَيْرٌ مِنْ) عمل (أَلْفِ شَهْرٍ) ليس فيها ليلة القدر ، وروى الربيع عن أبي العالية قال : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ) عمر (أَلْفِ شَهْرٍ) ، وقال مجاهد : سلام الملائكة والروح عليك تلك الليلة خير من سلام الخلق عليك ألف شهر فذلك [قوله] سبحانه (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ).
قرأ طلحة بن مصرف تنزل خفيفة ، من النزول ، (وَالرُّوحُ) يعني جبرئيل في قول أكثر المفسّرين يدلّ عليه ما روى قتادة عن أنس أن رسول الله عليهالسلام قال : «إذا كان (لَيْلَةُ الْقَدْرِ) نزل جبرئيل في كبكبة من الملائكة يصلّون ويسلّمون على كلّ عبد قائم أو قاعد يذكر الله سبحانه» [٢١٩] (٣).
__________________
(١) بطوله في تاريخ الطبري : ١ / ٤٦٥.
(٢) مستدرك الصحيحين : ٣ / ١٧٠ ، وتحفة الأحوذي : ٩ / ١٩٧.
(٣) زاد المسير : ٨ / ٢٨٧.